أن رميها رمى لسائر أمهات المؤمنين لاشتراك الكل في العصمة والنزاهة والانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى كذبت قوم نوح لمرسلين ونظائره وقيل أمهات المؤمنين فيدخل فيهن الصديقة دخولا أوليا وأما ما قيل من أن المراد هي الصديقة والجمع باعتبار استتباعها للمتصفات بالصفات المذكورة من نساء الأمة فيأباه أن العقوبات المترتبة على رمي هؤلاء عقوبات مختصة بالكفار والمنافقين ولا ريب في أن رمي غير أمهات المؤمنين ليس بكفر فيجب أن يكون المراد إياهن على أحد الوجهين فإنهن قد خصصن من بين سائر المؤمنات فجعل رميهن كفرا إبرازا لكرامتهن على الله عز وجل وحماية من أن يحوم حوله أحد بسور حتى أن ابن عباس رضي الله عنهما جعله أغلظ من سائر أفراد الكفر حين سئل عن هذه الآيات فقال من أذنب ذنبا ثم تاب منه قبلت توبته إلا من خاض في أمر عائشة رضي الله عنها وهل هو منه رضي الله عنه إلا لتهويل أمر الإفك والتنبيه على أن كفر غليظ «لعنوا» بما قالوه في حقهن «في الدنيا والآخرة» حيث يلعنهم اللاعنون من المؤمنين والملائكة أبدا «ولهم» مع ما ذكر من اللعن الأبدي «عذاب عظيم» هائل لا يقادر قدره لغاية عظم ما اقترفوه من الجناية وقوله تعالى «يوم تشهد عليهم» الخ أما متصل بما قبله مسوق لتقرير العذاب المذكور بتعيين وقت حلوله وتهويله ببيان ظهور جناياتهم الموجبة له مع سائر جناياتهم المستتبعة لعقوباتها على كيفية هائلة وهيئة خارقة للعادات فيوم ظرف لما في الجار والمجرور المتقدم من معنى الاستقرار لا لعذاب وإن أغضبنا عن وصفة لإخلاله بجزالة المعنى وإما منقطع عنه مسوق لتهويل اليوم ما يحويه على أنه ظرف لفعل مؤخر قد ضرب عنه الذكر صفحا للإيذان بقصور العبارة عن تفصيل ما يفع فيه من الطامة التامة والداهية العامة كأنه قي قبل يوم تشهد عليكم «ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون» يكون من الأحوال والأهوال مالا يحيط به حيطة المقال على أن الموصول المذكور عبارة عن جميع أعمالهم السيئة وجناياتهم القبيحة لا عن جناياتهم المعهودة فقط ومعنى شهادة الجوارح المذكورة بها أنه تعالى ينطقها بقدرته فتخبر كل جارحة منها بما صدر عنها من أفاعيل صاحبها لا أن كلا منها يخبر بجناياتهم المعهودة فحسب والموصول والمحذوف عبارة عنها وعن فنون العقوبات المترتبة عليها كافة لا عن إحداهما خاصة ففيه من ضروب التهويل وبالإجمال والتفصيل ما لا مزيد عليه وجعل الموصول المذكور عبارة عن خصوص جناياتهم المعهودة وحمل شهادة الجوارح على إخبار الكل بها فقط تحجير للواسع وتهوين لأمر الوازع والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على استمرارهم عليها في الدنيا وتقديم عليهم على الفاعل للمسارعة إلى بيان كون الشهادة ضارة لهم مع ما فيه من التشويق إلى المؤخر كما مر مرارا وقوله تعالى «يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق» أي يوم إذ تشهد جوارحهم بأعمالهم القبيحة يطيعهم الله تعالى جزاءهم الثابت الذي يحقق أن يثبت
(١٦٦)