(قال) أي إبليس وهو أيضا استئناف مبنى على السؤال الذي ينساق إليه الكلام (لم أكن لأسجد) اللام لتأكيد النفي أي ينافي حالي ولا يستقيم مني لأني مخلوق من أشرف العناصر وأعلاها أن أسجد (لبشر) أي جسم كثيف (خلقته من صلصال من حمأ مسنون) اقتصر ههنا على الإشارة الإجمالية إلى ادعاء الخيرية وشرف المادة اكتفاء بما صرح به حين قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ولم يكتف اللعين بمجرد ذكر كونه عليه الصلاة والسلام من التراب الذي هو أخس العناصر وأسفلها بل تعرض لكونه مخلوقا منه في أخس أحواله من كونه طينا متغيرا وقد اكتفى في سورة الأعراف وسورة ص بما حكى عنه ههنا فاقتصر على حكاية تعرضه لخلقه عليه الصلاة والسلام من طين وكذا في سورة بني إسرائيل حيث قيل أأسجد لمن خلقت طينا وفي جوابه دليل على أن قوله تعالى مالك ليس استفسار عن الغرض بل هو استفسار عن السبب وفي عدوله عن تطبيق جوابه على السؤال روم للتفصي عن المناقشة وأني له ذلك كأنه قال لم أمتنع عن امتثال الامر ولا عن الانتظام في سلك الملائكة بل عما لا يليق بشأني من الخضوع للمفضول ولقد جرى خذله الله تعالى على سنن قياس عقيم وزل عنه أن ما يدور عليه فلك الفضل والكمال هو التحلي بالمعارف الربانية والتخلي عن الملكات الردية التي أقبحها الكبر والاستعصاء على أمر رب العالمين جلا جلاله (قال فأخرج منها) أي من زمرة الملائكة المعززين لا من السماء فإن وسوسته لآدم عليه الصلاة والسلام في الجنة إنما كانت بعد هذا الطرد وقوله تعالى فاهبط منها ليس نصافي ذلك فإن الخروج من بين الملأ الأعلى هبوط وأي هبوط أو من الجنة على أن وسوسته كانت بطريق النداء من بابها كما روى عن الحسن البصري أو بطريق المشافهة بعد أن احتال في دخولها وتوسل إليه بالحية كما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ولا ينافي هذا طرده على رؤوس الأشهاد لما يقتضيه من الحكم البالغة (فإنك رجيم) مطرود من كل خير وكرامة فإن من يطرد يرجم بالحجارة أو شيطان يرجم بالشهب وهو وعيد يتضمن الجواب عن شبهته فإن من عارض النص بالقياس فهو رجيم ملعون (وأن عليك اللعنة) الإبعاد عن الرحمة وحيث كان ذلك من جهة الله سبحانه وإن كان جاريا على السنة العباد قيل في سورة ص وإن عليك لعنتي (إلى يوم الدين) إلى يوم الجزاء والعقوبة وفيه إشعارا بتأخير عقابه وجزائه إليه وأن اللعنة مع كمال فظاعتها ليست جزاء لفعله وإنما يتحقق ذلك يومئذ وفيه من التهويل مالا يوصف وجعل ذلك أقصى أمد اللعنة ليس لأنها تنقطع هنالك بل لأنه عند ذلك يعذب بما ينسى به اللعنة من أفانين العذاب فتصير هي كالزائل وقيل إنما حدت به لأنه ابعد غاية يضربها الناس كقوله تعالى خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض وحيث أمكن كون تأخير العقوبة مع الموت
(٧٦)