(وإن من شيء) إن للنفي ومن مزيدة للتأكيد وشئ في محل الرفع على الابتداء أي ما من شيء من الأشياء الممكنة فيدخل فيه ما ذكر دخولا أوليا (إلا عندنا خزائنه) الظرف خبر للمبتدأ وخزائنه مرتفع به على أنه فاعله لاعتماده أو خبر له والجملة خبر للمبتدأ الأول والخزائن جمع الخزانة وهي ما يحفظ فيه نفائس الأموال لا غير غلب في العرف على ما للملوك والسلاطين من خزائن أرزاق الناس شبهت مقدوراته تعالى الفائتة للحصر المندرجة تحت قدرته الشاملة في كونها مستورة عن علوم العالمين ومصونة عن وصول أيديهم مع كمال افتقارهم إليها ورغبتهم فيها وكونها مهيأة متأتية لإيجاده وتكوينه بحيث متى تعلقت الإرادة بوجودها وجدت بلا تأخر بنفائس الأموال المخزونة في الخزائن السلطانية فذكر الخزائن على طريقة الاستعارة التخييلية (وما ننزله) أي ما نوجد وما نكون شيئا من تلك الأشياء ملتبسا بشيء من الأشياء (إلا بقدر معلوم) أي إلا ملتبسا بمقدار معين تقتضيه الحكمة وتستدعيه المشيئة التابعة لها لا بما تقتضيه القدرة فإن ذلك غير متناه فإن تخصيص كل شيء بصفة معينة وقدر معين ووقت محدود دون ما عدا ذلك مع استواء الكل في الإمكان واستحقاق تعلق القدرة به لا بد له من حكمة تقتضي اختصاص كل من ذلك بما اختص به وهذا البيان سر عدم تكوين الأشياء على وجه الكثرة حسبما هو في خزائن القدرة وهو إما عطف على مقدر أي ننزله وما ننزله الخ أو حال مما سبق أي عندنا خزائن كل شيء والحال أنا ما ننزله إلا بقدر معلوم فالأول لبيان سعة القدرة والثاني لبيان بالغ الحكمة وحيث كان إنشاء ذلك بطريق التفضل من العالم العلوي إلى العلم السفلي كما في قوله تعالى وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج وكان ذلك بطريق التدريج عبر عنه بالتنزيل وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار (وأرسلنا الرياح) عطف على جعلنا لكم فيها معايش وما بينهما اعتراض لتحقيق ما سبق وترشيح ما لحق أي أرسلنا الرياح (لواقح) أي حوامل شبهت الريح التي تجيء بالخير من إنشاء سحاب ماطر بالحامل كما شبه بالعقيم مالا يكون كذلك أو ملقحات بالشجر والسحاب ونظيره الطوائح بمعنى المطيحات في قوله [ومختبط مما تطيح الطوائح] أي المهلكات وقرئ وأرسلنا الريح على إرادة الجنس (فأنزلنا من السماء) بعد ما أنشأنا بتلك الرياح سحابا ماطرا (ماء فأسقيناكموه) أي جعلناه لكم سقيا وهو أبلغ من سقيناكموه لما فيه من الدلالة على جعل الماء معدا لهم ينتفعون به متى شاءوا (وما أنتم له بخازنين) نفي عنهم ما أثبته لجنابه بقوله وإن من شيء إلا عندنا خزائنه كأنه قيل نحن القادرون على إيجاده وخزنه في السحاب وإنزاله وما أنتم على ذلك بقادرين وقيل ما أنتم بخازنين له بعد ما أنزلناه في الغدران والآبار والعيون بل نحن نخزنه فيها ليجعلها سقيا لكم مع أن طبيعة الماء تقتضي الغور (وإنا لنحن نحي) بإيجاد الحياة في بعض الأجسام القابلة لها
(٧٢)