والمشارب والمراد دوامهم على ذلك لا إحداثه فإنهم كانوا كذلك أو تمتعهم بلا استماع ما ينغص عيشهم من القوارع والزواجر فإن التمتع على ذلك الوجه أمر حادث يصلح أن يكون مترتبا على تخليتهم وشأنهم (ويلههم) ويشغلهم عن اتباعك أو عن التفكر فيما هم يصيرون إليه أو عن الإيمان والطاعة فإن الأكل والتمتع يفضيان إلى ذلك (الأمل) والتوقع لطول الأعمار وبلوغ الأوطار واستقامة الأحوال وأن لا يلقوا في العاقبة والمآل إلا خيرا فالأفعال الثلاثة مجزومة على الجوابية للأمر حسبما عرفت من تضمن الأمر بالترك للأمر بها على طريقة المجاز أو على أن يكون المراد بالأفعال المرقومة مباشرتهم لها غافلين عن وخامة عاقبتها غير سامعين لسوء مغبتها أصلا ولا ريب في ترتب ذلك على الأمر بالترك فإن النهي عما هم عليه من ارتكاب القبائح مما يشوش عليهم متعهم وينغص عليهم عيشهم فأمر عليه السلام بتركه ليتمرغوا فيما هم فيه من حظوظهم فيدهمهم ما يدهمهم وهم عنه غافلون (فسوف يعلمون) سوء صنيعهم أو وخامة عاقبته أو حقيقة الحال التي ألجأتهم إلى التمني المذكور حيث لم يعلموا ذلك من جهتك وهو مع كونه وعيدا أيما وعيد وتهديدا غب تهديد تعليل للأمر بالترك فإن علمهم ذلك علة لترك النهي والنصيحة لهم وفيه إلزام للحجة ومبالغة في الإنذار إذ لا يتحقق الأمر بالضد إلا بعد تكرر الإنذار وتقرر الجحود والإنكار وكذلك ما ترتب عليه من الأكل والتمتع والإلهاء (وما أهلكنا) شروع في بيان سر تأخير عذابهم إلى يوم القيامة وعدم نظمهم في سلك الأمم الدارجة في تعجيل العذاب أي ما أهلكنا (من قرية) من القرى بالخسف بها وبأهلها كما فعل ببعضها أو بإخلائها عن أهلها غب إهلاكهم كما فعل بآخرين (إلا ولها) في ذلك الشأن (كتاب) أي أجل مقدر مكتوب في اللوح واجب المراعاة بحيث لا يمكن تبديله لوقوعه حسب الحكمة المقتضية له (معلوم) لا ينسى ولا يغفل عنه حتى يتصور التخلف عنه بالتقدم والتأخر فكتاب مبتدأ خبره الظرف والجملة حال من قرية فإنها لعمومها لا سيما بعد تأكده بكلمة من في حكم الموصوفة كما أشير إليه والمعنى ما أهلكنا قرية من القرى في حال من الأحوال إلا حال أن يكون لها كتاب أي أجل موقت لمهلكها قد كتبناه لا نهلكها قبل بلوغه معلوم لا يغفل عنه حتى يمكن مخالفته بالتقدم والتأخر أو مرتفع بالظرف والجملة كما هي حال أي ما أهلكنا قرية من القرى في حال من الأحوال إلا وقد كان لها في حق هلاكها كتاب أي أجل مقدر مكتوب في اللوح معلوم لا يغفل عنه أو صفة لكن لا للقرية المذكورة بل للمقدرة التي هي بدل من المذكورة على المختار فيكون بمنزلة كونه صفة للمذكورة أي ما أهلكنا قرية من القرى إلا قرية لها كتاب معلوم كما في قوله تعالى ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن فإن قوله تعالى لا يسمن صفة لكن لا للطعام المذكور لأنه إنما يدل على انحصار طعامهم الذي لا يسمن في الضريع وليس المراد ذلك بل للطعام المقدر بعد إلا أي ليس لهم طعام من شيء من الأشياء إلا طعام لا يسمن فليس فيه فصل بين الموصوف والصفة بكلمة إلا كما توهم وأما توسيط الواو بينهما
(٦٥)