وتقديم الجار والمجرور على القائم مقام الفاعل لأن إنكارهم متوجه إلى كون النازل ذكرا من الله تعالى لا إلى كون المنزل عليه رسول الله بعد تسليم كون النازل منه تعالى كما في قوله تعالى لولا نزيل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم فإن الإنكار هناك متوجه إلى كون المنزل عليه رسول الله تعالى وإيراد الفعل على صيغة المجهول لإيهام أن ذلك ليس بفعل له فاعل أو لتوجيه الإنكار إلى كون التنزيل عليه لا إلى استناده إلى الفاعل (لو تأتينا) كلمة لو عند تركبها مع ما تفيد ما تفيده عند تركبها مع لامن معنى امتناع الشيء لوجود غيره ومعنى التحضيض خلا أنه عند إرادته لا يليها إلا فعل ظاهر أو مضمر وعند إرادة المعنى الأول لا يليها إلا اسم ظاهر أو مقدر عند البصريين والمراد ههنا هو الثاني أي هلا تأتينا (بالملائكة) يشهدون بصحة نبوتك ويعضدونك في الإنذار كقوله تعالى لولا أنزل عليه ملك فيكون معه نذيرا أو يعاقبوننا على التكذيب كما تأتي الأمم المكذبة لرسلهم (إن كنت من الصادقين) في دعواك فإن قدرة الله تعالى على ذلك مما لا ريب فيه وكذا احتياجك إليه في تمشية أمرك فإنا لا نصدقك بدون ذلك أو إن كنت من جملة تلك الرسل الصادقين الذين عذبت أممهم المكذبة لهم (ما ننزل الملائكة) بالنون على بناء الفعل لضمير الجلالة من التنزيل وقرئ من الإنزال وقرئ تنزل مضارعا من التنزيل على صيغة البناء للمفعول ومن التنزيل بحذف إحدى التاءين وما ضيا منه ومن التنزيل ومن الثلاثي وهو كلام مسوق إلى النبي صلى الله عليه وسلم جوابا لهم عن مقالتهم المحكية وردا لاقتراحهم الباطل ولشدة استدعاء ذلك للجواب قدم رده على ما هو جواب عن أولها أعني قوله إنا نحن نزلنا الذكر الآية كما فعل في قوله تعالى قال إنما يأتيكم به الله فإنه مع كونه جوابا عن قولهم فائتنا بما تعدنا قدم على قوله ولا ينفعكم نصحى الآية مع كونه جوابا عن أول كلامهم الذي هو قولهم يا نوح قد جادلتنا لما ذكر من شدة اقتضائه للجواب وليكون أحد الجوابين متصلا بالسؤال وفي العكس يلزم انفصال كل من الجوابين عن سؤاله والعدول عن تطبيقه لظاهر كلامهم بصدد الاقتراح وهو أن يقال ما تأتيهم بهم للإيذان بأنهم قد أخطئوا في التعبير حسبما أخطئوا في الاقتراح وأن الملائكة لعلو رتبتهم أعلى من أن ينسب إليهم مطلق الإتيان الشامل للانتقال من أحد الأمكنة المتساوية إلى الآخر منها بل من الأسفل إلى الأعلى وأن يكون مقصد حركاتهم أولئك الكفرة وأن يدخلوا تحت ملكوت أحد من البشر وإنما الذي يليق بشأنهم النزول من مقامهم العالي وكون ذلك بطريق التنزيل من جناب الرب الجليل (إلا بالحق) أي ملتبسا بالوجه الذي يحق ملابسة التنزيل به مما تقتضيه الحكمة وتجرى به السنة الإلهية كقوله سبحانه وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق والذي اقترحوه من التنزيل لأجل الشهادة لديهم وهم هم ومنزلتهم في الحقارة والهوان منزلتهم مما لا يكاد يدخل تحت الصحة الحكمة أصلا فإن ذلك من باب التنزيل بالوحي الذي لا يكاد يفتح على غير الأنبياء الكرام من
(٦٧)