والتقريع أي زعمتم في الدنيا أنه لن نجعل لكم أبدا وقتا ننجز فيه ما وعدناه من البعث وما يتبعه وأن مخففة من المثقلة فصل بحرف النفي بينها وبين خبرها لكونه جملة فعلية متصرفة غير دعاء والظرف أما مفعول ثان للجعل وهو بمعنى التصيير والأول هو موعدا أو حال من موعد أو هو بمعنى الخلق والإبداع «ووضع الكتاب» عطف على عرضوا داخل تحت الأمور الهائلة التي أريد تذكيرها بتذكير وقتها أورد فيه ما أورد في أمثاله من صيغة الماضي دلالة على التقرر أيضا أي وضع صحائف الأعمال وإيثار الأفراد للاكتفاء بالجنس والمراد بوضعها أما وضعها في أيدي أصحابها يمينا وشمالا وأما في الميزان «فترى المجرمين» قاطبة فيدخل فيهم الكفرة المنكرون للبعث دخولا أوليا «مشفقين» خائفين «مما فيه» من الجرائم والذنوب «ويقولون» عند وقوفهم على ما في تضاعيفه نقيرا وقطميرا «يا ويلتنا» منادين لهلكتهم التي هلكوها من بين الهلكات مستدعين لها ليهلكوا ولا يروا هول ما لقوه أي يا ويلتنا أحضرى فهذا آوان حضورك «ما لهذا الكتاب» أي أي شيء له وقوله تعالى «لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها» أي حواها وضبطها جملة حالية محققة لما في الجملة الاستفهامية من التعجب أو استئنافية مبنية على سؤال نشأ من التعجب كأنه قيل ما شأنه حتى يتعجب منه فقيل لا يغادر سيئة صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها «ووجدوا ما عملوا» في الدنيا من السيئات أو جزاء ما عملوا «حاضرا» مسطورا عتيدا «ولا يظلم ربك أحدا» فيكتب ما لم يعمل من السيئات أو يزيد في عقابه المستحق فيكون إظهارا لمعدلة القلم الأزلي «وإذ قلنا للملائكة» أي اذكر وقت قولنا لهم «اسجدوا لآدم» سجود تحية وتكريم وقد مر تفصيله «فسجدوا» جميعا امتثالا بالأمر «إلا إبليس» فإنه لم يسجد بل أبى واستكبر وقوله تعالى «كان من الجن» كلام مستأنف سيق مساق التعليل لما يفيده استثناء اللعين من الساجدين كأنه قيل ماله لم يسجد فقيل كان أصله جنيا «ففسق عن أمر ربه» أي خرج عن طاعته كما ينبئ عنه الفاء أو صار فاسقا كافرا بسبب أمر الله تعالى إذ لولاه أبى وتعرض لوصف الربوبية المنافية للفسق لبيان كمال قبح ما فعله والمراد بتذكير قصته تجديد النكير على المتكبرين المفتخرين بأنسابهم وأموالهم المستنكفين عن الانتظام في سلك فقراء المؤمنين ببيان أن ذلك من صنيع إبليس وأنه في ذلك تابعون لتسويله كما ينبئ عنه قوله تعالى «أفتتخذونه» الخ فإن الهمزة للإنكار والتعجيب والفاء للتعقيب والفاء أي أعقيب علمكم بصدور تلك القبائح عنه تتخذونه «وذريته» أي وأولاده وأتباعه جعلوا ذريته مجازا قال قتادة يتوالدون كما يتوالد بنو آدم وقيل يدخل ذنبه في دبره فيبيض فتنفلق البيضة عن جماعة من الشياطين «أولياء من دوني» فتستبدلونهم بي فتطيعونهم
(٢٢٧)