قرينة الحال إذ كان ذلك عند التوجه إلى السفر واتكالا على ما يعقبه من قوله «حتى أبلغ» فإن ذلك غاية تستدعي ذا غاية يؤدي إليها ويجوز أن يكون أصل الكلام لا يبرح مسيري حاصلا حتى أبلغ فيحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه فينقلب الضمير البارز المجرور المحل مرفوعا مستكنا والفعل من صيغة الغيبة إلى التكلم ويجوز أن يكون من برح التام كزال يزول أي لا أفارق ما أنا بصدده حتى أبلغ «مجمع البحرين» هو ملتقى بحر فارس والروم مما يلي المشرق وقيل طنجة وقيل هما الكر والرس بأرمينية وقيل إفريقية وقرئ بكسر الميم كمشرق «أو أمضي حقبا» أسير زمانا طويلا أتيقن معه فوات المطلب والحقب الدهر أو ثمانون سنة وكان منشأ هذه العزيمة أن موسى عليه السلام لما ظهر على مصر مع بني إسرائيل واستقروا بها بعد هلاك القبط أمره الله عز وجل أن يذكر قومه النعمة فقام فيهم خطيبا بخطبة بديعة رقت بها القلوب وذرفت العيون فقالوا له من أعلم الناس قال أنا فعتب الله تعالى عليه إذ لم يرد العلم إليه عز وجل فأوحى إليه بل أعلم منك عبد لي عند مجمع البحرين وهو الخضر عليه السلام وكان في أيام أفريذون قبل موسى عليه السلام وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر وبقي إلى أيام موسى وقيل إن موسى عليه السلام سأل ربه أي عبادك أحب إليك قال الذي يذكرني ولا ينساني قال فأي عباد أقضي قال الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى قال فأي عبادك أعلم قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى فقال إن كان في عبادك من هو اعلم مني فدلني عليه قال أعلم منك الخضر قال أين أطلبه قال على ساحل البحر عند الصخرة قال يا رب كيف لي به قال تأخذ حوتا في مكتل فحيثما فقدته فهو هناك فأخذ حوتا فجعله في مكتل فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فأخبرني فذهبا يمشيان «فلما بلغا» الفاء فصيحة كما أشير إليه «مجمع بينهما» أي مجمع البحرين وبينهما ظرف أضيف إليه اتساعا أو بمعنى الوصل «نسيا حوتهما» الذي جعل فقدانه أمارة وجدان المطلوب أي نسيا تفقد أمره وما يكون منه وقيل نسي يوشع أن يقدمه وموسى عليه أن يأمره فيه بشيء روي أنهما لما بلغا مجمع البحرين وفيه الصخرة وعين الحياة التي لا يصيب ماؤها ميتا إلا حي وضعا رؤوسهما على الصخرة فناما فلما أصاب الحوت برد الماء وروحه عاش وقد كانا أكلا منه وكان ذلك بعد ما استيقظ يوشع عليه السلام وقيل توضأ عليه السلام من تلك العين فانتضح الماء على الحوت فعاش فوقع في الماء «فاتخذ سبيله في البحر سربا» مسلكا كالسرب وهو النفق قيل امسك الله عز وجل جرية الماء على الحوت فصار كالطاق عليه معجزة لموسى أو للخضر عليهما السلام وانتصاب سربا على أنه مفعول ثان لاتخذ وفي البحر حال منه أو من السبيل ويجوز أن يتعلق باتخذ «فلما جاوزا» أي مجمع البحرين الذي جعل موعدا للملاقاة قيل أدلجا وسار الليلة والغد إلى الظهر وألقى على موسى عليه السلام الجوع فعند ذلك «قال لفتاه آتنا غداءنا» أي ما نتغدى به وهو الحوت كما ينبئ عنه الجواب «لقد لقينا من
(٢٣٢)