وأما ما مر من المال والبنين فليس لصاحبه أملا يناله وتكرير خير للإشعار باختلاف حيثية الخيرية والمبالغة فيها «ويوم نسير الجبال» منصوب بمضمر أي اذكر حين نقلعها من أماكنها ونسيرها في الجو على هيئاتها كما ينبئ عنه قوله تعالى وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب أو نسير أجزاءها بعد أن نجعلها هباء منبثا والمراد بتذكيره تحذير المشركين مما فيه من الدواهي وقيل هو معطوف على ما قبله من قوله تعالى «عند ربك» أي الباقيات الصالحات خير عند الله ويوم القيامة وقرئ تسير على صيغة البناء للمفعول من التفعيل جريا على سنن الكبرياء وإيذانا بالاستغناء عن الإسناد إلى الفاعل لتعينه وقرئ تسير «وترى الأرض» أي جميع جوانبها والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد ممن يتأتى منه الرؤيا وقرئ ترى على صيغة البناء للمفعول «بارزة» أما بروز ما تحت الجبال فظاهر وأما ما عاداه فكانت الجبال تحول بينه وبين الناظر قبل ذلك فالآن أضحى قاعا صفصفا لنرى فيها ولا أمة «وحشرناهم» جمعناهم إلى الموقف من كل أوب وإيثار صيغة الماضي بعد نسير وترى للدلالة على تحقق الحشر المتفرع على البعث الذي ينكره المنكرون وعليه يدور أمر الجزاء وكذا الكلام فيما عطف عليه منفيا وموجبا وقيل هو للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير والبروز ليعاينوا تلك الأهوال كأنه قيل وحشرناهم قبل ذلك «فلم نغادر» أي لم نترك «منهم أحدا» يقال غادره وأغدره إذا تركه ومنه الغدر الذي هو ترك الوفاء والغدير الذي هو ماء يتركه السيل في الأرض الغائرة وقرئ بالياء وبالفوقانية على إسناد الفعل إلى ضمير الأرض كما في قوله تعالى وألقت ما فيها وتخلت «وعرضوا على ربك» شبهت حالهم بحال جند عرضوا على السلطان ليأمر فيهم بما يأمر وفي الالتفات إلى الغيبة وبناء الفعل للمفعول مع التعرض لعنوان الربوبية والإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من تربية المهابة والجري على سنن الكبرياء وإظهار اللطف به صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى «صفا» أي غير متفرقين ولا مختلطين فلا تعرض فيه لوحدة الصف وتعدده وقد ورد في الحديث الصحيح يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد صفوفا «لقد جئتمونا» على إضمار القول على وجه يكون حالا من ضمير عرضوا أي مقولة لهم أو وقلنا لهم وأما كونه عاملا في يوم نسير كما قيل فبعيد من جزالة التنزيل الجليل كيف لا ويلزم منه أن هذا القول هو المقصود بالأصالة دون سائر القوارع مع أنه خاص التعلق بما قبله من العرض والحشر دون تسيير الجبال وبروز الأرض «كما خلقناكم» نعت لمصدر مقدر أي مجيئا كائنا مجيئكم عند خلقنا لكم «أول مرة» أوحال من ضمير جئتمونا أي كائنين كما خلقناكم أول مرة حفاة عراة غرلا أو ما معكم شيء مما تفتخرون به من الأموال والأنصار كقوله تعالى «ولقد جئتمونا» فرادى «كما خلقناكم أول مرة» وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم «بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا» إضراب وانتقال من كلام إلى كلام كلاهما للتوبيخ
(٢٢٦)