إلى سائر الآيات التي من جملتها ما ذكر من تعاجيب خلق الله تعالى بل هي عندها كالنزر الحقير والكهف الغار الواسع في الجبل والرقيم كلبهم قال أمية بن أبي الصلت * وليس بها الا الرقيم مجاورا * وصيدهم والقوم في الكهف همد * وقيل هو لوح رصاصي أو حجري رقمت فيه أسماؤهم وجعل على باب الكهف وقيل هو الوادي الذي فيه الكهف فهو من رقمة الوادي أي جانبه وقيل الجبل وقيل قريتهم وقيل مكانهم بين غضبان وأيلة دون فلسطين وقيل أصحاب الرقيم آخرون وكانوا ثلاثة انطبق عليهم الغار فنجوا بذكر كل منهم أحسن عمله على ما فصل في الصحيحين «إذ أوى» ظرف لعجبا لا لحسبت أو مفعول لا ذكر أي حين التجأ «الفتية» أي أصحاب الكهف أوثر الاظهار على الإضمار لتحقيق ما كانوا عليه في أنفسهم من حال الفتوة فإنهم كانوا فتية من أشراف الروم أرادهم دقيانوس على الشرك فهربوا منه بدينهم ولأن صاحبيه الكهف من فروع التجائهم إلى الكهف فلا يناسب اعتبارها معهم قبل بيانه «إلى الكهف» بجبلهم للجلوس واتخذوه مأوى «فقالوا ربنا آتنا من لدنك» من خزائن رحمتك الخاصة المكنونة عن عيون أهل العادات فمن ابتدائية متعلقة بآيتنا أو بمحذوف وقع حالا من مفعوله الثاني قدمت عليه لكونه نكرة ولو تأخرت لكانت صفة له أي آتنا كائنة من لدنك «رحمة» خاصة تستوجب المغفرة والرزق والأمن من الأعداء «وهيئ لنا من أمرنا» الذي نحن عليه من مهاجرة الكفار والمثابرة على طاعتك وأصل التهيئة إحداث هيئة الشئ أي اصلح ورتب وأتمم لنا من أمرنا «رشدا» إصابة للطريق الموصل إلى المطلوب واهتداء إليه وكلا الجارين متعلق بهيء لاختلافهما في المعنى وتقديم المجرورين على المفعول الصريح لاظهار الاعتناء بهما وإبراز الرغبة في المؤخر بتقديم أحواله فإن تأخير ما حقه التقديم عما هو من أحواله المرغبة فيه كما يورث شوق السامع إلى وروده ينبيء عن كمال رغبة المتكلم فيه واعتنائه بحصوله لا محالة وكذا الكلام في تقديم قوله تعالى من لدنك على تقدير تعلقه بآتنا وتقديم لنا على من أمرنا للإيذان من أول الأمر يكون المسؤول مرغوبا فيه لديهم أو اجعل أمرنا رشدا كله على أن من تجريدية مثلها في قولك رأيت منك أسدا «فضربنا على آذانهم» أي أنمناهم على طريقة التمثيل المبنى على تشبيه الإنامة الثقيلة المانعة عن وصول الأصوات إلى الآذان بضرب الحجاب عليها وتخصيص الآذان بالذكر مع اشتراك سائر المشاعر لها في الحجب عن الشعور عند النوم لما أنها المحتاج إلى الحجب عادة إذ هي الطريقة للتيقظ غالبا لا سيما عند انفراد النائم واعتزاله عن الخلق وقيل الضرب على الآذان كناية عن الإنامة الثقيلة وحمله على تعطيلها كما في قولهم ضرب الأمير على يد الرعية أي منعهم من التصرف مع عدم ملاءمته لما سيأتي من البعث لا يدل على النوم مع أنه المراد قطعا والفاء في فضربنا كما في قوله عز وجل فاستجبنا له بعد قوله تعالى إذ نادى فإن الضرب المذكور وما ترتب عليه من التقليب ذات اليمين وذات الشمال والبعث وغير ذلك
(٢٠٦)