على انظارهم وتفاوت درجات أعمالهم المتفرعة على ذلك كما قررناه في مطلع سورة هود وأي إما استفهامية مرفوعة بالابتداء وأحسن خبرها والجملة في محل النصب معلقة لفعل البلوى لما فيه من معنى العلم باعتبار عاقبته كالسؤال والنظر ولذلك أجرى مجراه بطريق التمثيل أو الاستعارة التبعية وإما موصولة بمعنى الذي وأحسن خبر مبتدأ مضمر والجملة صلة لها وهي في حيز النصب بدل من مفعول لنبلوهم والتقدير لنبلو الذي هو أحسن عملا فحينئذ يحتمل أن تكون الضمة في أيهم للبناء كما في قوله عز وجل ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا على أحد الأقوال لتحقق شرط البناء الذي هو الإضافة لفظا وحذف صدر الصلة وأن تكون للأعراب لأن ما ذكر شرط لجواز البناء لا لوجوبه وحسن العمل الزهد فيها وعدم الاغترار بها والقناعة باليسير منها وصرفها على ما ينبغي والتأمل في شأنها وجعلها ذريعة إلى معرفة خالقها والتمتع بها حسبما أذن له الشرع وأداء حقوقها والشكر لها لا اتخاذها وسيلة إلى الشهوات والأغراض الفاسدة كما يفعله الكفرة وأصحاب الأهواء وإيراد صيغة التفضيل مع أن الابتلاء شامل للفريقين باعتبار أعمالهم المنقسمة إلى الحسن والقبيح أيضا لا إلى الحسن والأحسن فقط للإشعار بأن الغاية الأصلية للجعل المذكور إنما هو ظهور كمال إحسان المحسنين على ما حقق في تفسير قوله تعالى ليبلوكم أيكم أحسن عملا «وإنا لجاعلون» فيما سيأتي عند تناهي عمر الدنيا «ما عليها» من المخلوقات قاطبة بإفنائها بالكلية وإنما أظهر في مقام الاضمار لزيادة التقرير أو لادراج المكلفين فيه «صعيدا» مفعول ثان للجعل والصعيد التراب أو وجه الأرض قال أبو عبيدة هو المستوى من الأرض وقال الزجاج هو الطريق الذي لانبات فيه «جرزا» ترابا لا نبات فيه بعد ما كان يتعجب من بهجته النظار وتتشرف بمشاهدته الأبصار يقال أرض جرز لا نبات فيها وسنة جرز لا مطر فيها قال الفراء جرزت الأرض فهي مجروزة أي ذهب نباتها بقحط أو جراد ويقال جرزها الجراد والشاة والإبل إذا أكلت ما عليها وهذه الجملة لتكميل ما في السابقة من التعليل والمعنى لا تحزن بما عاينت من القوم من تكذيب ما أنزلنا عليك من الكتاب فإنا قد جعلنا ما على الأرض من فنون الأشياء زنية لها لنختبر أعمالهم فنجازيهم بحسبها وإنا لمفنون جميع ذلك عن قريب ومجازون لهم بحسب أعمالهم «أم حسبتم» الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد إنكار حسبان أمته وأم منقطعة مقدرة ببل التي هي للانتقال من حديث إلى حديث لا للابطال وبهمزة الاستفهام عند الجمهور وببل وحدها عند غيرهم أي بل أحسبت «أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا» في بقائهم على الحياة مدة طويلة من الدهر «من آياتنا» من بين آياتنا التي من جملتها ما ذكرناه من جعل ما على الأرض زينة لها للحكمة المشار إليها ثم جعل ذلك كله صعيدا جرزا كأن لم تغن بالأمس «عجبا» أي آية ذات عجب وضعا له موضع المضاف أو وصفا لذلك بالمصدر مبالغة وهو خبر لكانوا ومن آياتنا حال منه والمعنى أن قصتهم وإن كانت خارقة للعادات ليست بعجيبة بالنسبة
(٢٠٥)