روي عن جابر رضي الله عنه أنه قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ أتاه صبي فقال إن أمي تستكسيك درعا فقال صلى الله عليه وسلم من ساعة إلى ساعة فعد إلينا فذهب إلى أمه فقالت له قل إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك فدخل صلى الله عليه وسلم داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عريانا وأذن بلال وانتظروا فلم يخرج للصلاة فنزلت فيأباه أن السورة مكية خلا آيات في آخرها كذا ما قيل إنه صلى الله عليه وسلم أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وكذا عيينة بن حصن الفزاري فجاء عباس بن مرداس فأنشأ يقول * أتجعل نهي ونهب العبي * د بين عيينة والأقرع * وما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في مجمع * وما كنت دون امرئ منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع * فقال صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر اقطع لسانه عني أعطه مائة من الإبل وكانوا جميعا من المؤلفة القلوب فنزلت «إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر» تعليل لما مر أي يوسعه على بعض ويضيقه على آخرين حسبما تتعلق به مشيئته التابعة للحكمة فليس ما يرهقك من الإضافة التي تحوجك إلى الإعراض عن السائلين أو نفاذ ما في يدك إذا بسطتها كل البسط إلا لمصلحتك «إنه كان بعباده خبيرا بصيرا» تعليل لما سبق أي يعلم سرهم وعلنهم فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم ويجوز أن يراد أن البسط والقبض من أمر الله العالم بالسرائر والظواهر الذي بيده خزائن السماوات والأرض وأما العباد فعليهم أن يقتصدوا وأن يراد أنه تعالى يبسط تارة ويقبض أخرى فاستنوا بسنته فلا تقبضوا كل القبض ولا تبسطوا كل البسط وأن يراد أنه تعالى يبسط ويقدر حسب مشيئته فلا تبسطوا على من قدر عليه رزقه وأن يكون تميهدا لقوله «ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق» أي مخافة فقر وقرئ بكسر الخاء كانوا يئدون بناتهم مخافة الفقر فنهوا عن ذلك «نحن نرزقهم وإياكم» لا أنتم فلا تخافوا الفاقة بناء على علمكم بعجزكم عن تحصيل رزقهم وهو ضمان لرزقهم وتعليل للنهي المذكور بإبطال موجبه في زعمهم وتقديم ضمير الأولاد على المخاطبين على عكس ما وقع في سورة الأنعام للإشعار بأصالتهم في إفاضة الرزق أو لأن الباعث على القتل هناك الإملاق الناجز ولذلك قيل من إملاق وههنا الإملاق المتوقع ولذلك قيل خشية إملاق فكأنه قيل نرزقهم من غير أن ينتقص من رزقكم شيء فيعتريكم ما تخشونه وإياكم أيضا رزقا إلى رزقكم «إن قتلهم كان خطأ كبيرا» تعليل آخر ببيان أن المنهي عنه في نفسه منكر عظيم والخطء الذنب والإثم يقال خطىء خطأ كإثم إثما وقرئ بالفتح والسكون وبفتحتين بمعناه كالحذر والحذر وقيل بمعنى ضد الصواب وبكسر الخاء والمد وبفتحها ممدودا وبفتحها وحذف الهمزة وبكسرها كذلك «ولا تقربوا الزنى» بمباشرة مباديه القريبة أو البعيدة فضلا عن مباشرته وإنما نهى عن قربانه على خلاف ما سبق ولحق من القتل للمبالغة في النهي عن نفسه ولأن قربانه داع إلى مباشرته وتوسيط النهي
(١٦٩)