تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٥ - الصفحة ١٤٥
مفعولا أول لئلا يحول المفعول الثاني بينها وبين صفتها وما يترتب عليها إذ التأخير عن الكل مخل بتجاذب أطراف النظم وتجاوبها ولأن تأخير ما حقه التقديم مما يورث النفس ترقبا لوروده وتشوقا إليه لا سيما إذا كان في المقدم ما يدعو إليه فإن المثل مما يدعو إلى المحافظة على لا تفاصيل أحوال ما هو مثل فيتمكن المؤخر عند وروده لديها فضل تمكن والقرية إما محققة في الغابرين وإما مقدرة أي جعلها مثلا لأهل مكة خاصة أو لكل قوم أنعم الله تعالى عليهم فأبطرتهم النعمة ففعلوا ما فعلوا فبدل الله تعالى بنعمتهم نقمة ودخل فيهم أهل مكة دخولا أوليا «كانت آمنة» ذات أمن من كل مخوف «مطمئنة» لا يزعج أهلها مزعج «يأتيها رزقها» أقوات أهلها صفة ثانية لقرية وتغيير سبكها عن الصفة الأولى لما أن إتيان رزقها متجدد وكونها آمنة مطمئنة ثابت مستمر «رغدا» واسعا «من كل مكان» من نواحيها «فكفرت» أي كفر أهلها «بأنعم الله» أي بنعمه جمع نعمة على ترك الاعتداد بالتاء كدرع وأدرع أو جمع نعم كبؤس وأبؤس والمراد بها نعمة الرزق والأمن المستمر وإيثار جمع القلة للإيذان بأن كفران نعمة قلية حيث أوجب هذا العذاب فما ظنك بكفران نعم كثيرة «فأذاقها الله» أي أذاق أهلها «لباس الجوع والخوف» شبه أثر الجوع والخوف وضررهما المحيط بهم باللباس الغاشي للابس فاستعير له اسمه وأوقع عليه الإذاقة المستعارة لمطلق الإيصال المنبئة عن شدة الإصابة بما فيها من اجتماع إدراكي اللامسة والذائقة على نهج التجريد فإنها لشيوع استعمالها في ذلك وكثرة جريانها على الألسنة جرت مجرى الحقيقة كقول كثير [غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا غلقت لضحكته رقاب المال] فإن الغمر مع كونه في الحقيقة من أحوال الماء الكثير لما كان كثير الاستعمال في المعروف المشبه بالماء الكثير جري مجرى الحقيقة فصارت إضافته إلى الرداء المستعار للمعروف تجريدا أو شبه أثرهما وضررهما من حيث الإحاطة بهم والكراهة لديهم تارة باللباس الغاشي للابس المناسب للخوف بجامع الإحاطة واللزوم تشبيه معقول بمحسوس فاستعير له اسمه استعارة تصريحية وأخرى بطعم المر البشع الملائم للجوع الناشئ من فقد الرزق بجامع الكراهة فأومى إليه بأن أوقع عليه الإذاقة المستعارة لإيصال المضار المنبئة عن شدة الإصابة بما فيها من اجتماع إدراكي اللامسة والذائقة وتقديم الجوع الناشئ مما ذكر من فقدان الرزق على الخوف المترتب على زوال الأمن المقدم فيما تقدم على إتيان الرزق لكونه أنسب بالإذاقة أو لمراعاة المقارنة بينها وبين إتيان الرزق وقد قرئ بتقديم الخوف وبنصبه أيضا عطفا على المضاف أو إقامة له مقام مضاف محذوف وأصله ولبسا الخوف «بما كانوا يصنعون» فيما قبل أو على وجه الاستمرار وهو الكفران المذكور أسند ذلك إلى أهل القرية تحقيقا للأمر بعد إسناد الكفران إليها وإيقاع الإذاقة عليها إرادة للمبالغة وفي صيغة الصنعة إيذان بأن كفران نعمة صار صنعة راسخة لهم وسنة مسلوكة «ولقد جاءهم» من تتمة المثل جئ بها لبيان أن ما فعلوه من كفران النعم لم يكن مزاحمة منهم لقضية العقل فقط بل كان ذلك معارضة لحجة الله على
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة الرعد 2
2 قوله تعالى: وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أ إنا لفي خلق جديد. 6
3 قوله تعالى: أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب. 16
4 قوله تعالى: مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم و ظلها تلك عقبى الذين اتقوا. 25
5 سورة إبراهيم 30
6 قوله تعالى: قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض. 36
7 قوله تعالى: ألهم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار. 45
8 الجزء الرابع عشر (سورة الحجر) قوله تعالى: الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين. 63
9 قوله تعالى: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم و أن عذابي هو العذاب الأليم. 80
10 (سورة النحل) قوله تعالى: أتى أمر الله فلا تستعجلوه. 94
11 قوله تعالى: وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة. 110
12 قوله تعالى: وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فارهبون. 119
13 قوله تعالى: ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ ومن رزقناه منا رزقا حسنا. 129
14 قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى. 136
15 قوله تعالى: يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها و توفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون. 144
16 الجزء الخامس عشر (سورة الإسراء) قوله تعالى: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير. 154
17 قوله تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا. 166
18 قوله تعالى: وقل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم. 177
19 قوله تعالى: ولقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر والبحر و رزقناهم من الطيبات. 186
20 قوله تعالى: أولم يروا أن الله خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم. 197
21 (سورة الكهف) 202
22 قوله تعالى: وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين. 211
23 قوله تعالى: واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب و حففناهما بنخل. 221
24 قوله تعالى: ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم. 228
25 الجزء السادس عشر قوله تعالى: قال ألم أقل لك إنك تستطيع معي صبرا. 236
26 قوله تعالى: وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا. 247
27 (سورة مريم عليها السلام) 252
28 قوله تعالى: فحملته فانتبذت به مكانا قصيا. 261
29 قوله تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف تلقون غيا. 272