المؤمنين من يقارنهم «إلى الجنة والمغفرة» أي إلى الاعتقاد الحق والعمل الصالح الموصلين إليهما وتقديم الجنة على المغفرة مع أن حق التخلية أن تقدم على التحلية لرعاية مقابلة النار ابتداء «بإذنه» متعلق بيدعو أي يدعو ملتبسا بتوفيقه الذي من جملته إرشاد المؤمنين لمقارنيهم إلى الخير ونصيحتهم إياهم فهم أحقاء بالمواصلة «ويبين آياته» المستملة على الأحكام الفائقة والحكم الرائقة «للناس لعلهم يتذكرون» أي لكي يتذكروا ويعملوا بما فيها فيفوزوا بما دعوا إليه من الجنة والغفران هذا وقد قيل معنى والله يدعوا وأولياء الله يدعون وهم المؤمنون على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه تشريفا لهم وأنت خبير بان الضمير في المعطوف على الخبر أعنى قوله تعالى ويبين لله تعالى فيلزم التفكيك وقيل معناه والله يدعو بأحكامه المذكورة إلى الجنة والمغفرة فإنها موصلة لمن عمل بها إليهما وهذا وإن كان مستدعيا لاتحاد مرجع الضميرين الكائنين في الجملتين المتعاطفتين الواقعتين خبرا للمبتدأ لكن يفوت حينئذ حسن المقابلة بينه وبين قوله تعالى أولئك يدعون إلى النار ولعل الطريق الأسلم ما أوضحناه أولا وإيراد التذكر ههنا للإشعار بأنه واضح لا يحتاج إلى التفكر كما في الأحكام السابقة «ويسألونك عن المحيض» عطف على ما تقدم من مثله ولعل حكاية هذه الأسئلة الثلاثة بالعطف لوقوع الكل عند السؤال عن الخمر وحكاية ما عداها بغير عطف لوقوع كل من ذلك في وقت على حدة والمحيض مصدر من حاضت المرأة كالمجئ والمبيت روى ان أهل الجاهلية كانوا لا يساكنون الحيض ولا يؤاكلونهن كدأب اليهود والمجوس واستمر الناس على ذلك إلى ان سأل عن ذلك أبو الدحاح في نفر من الصحابة رضوان الله عليهم فنزلت «قل هو أذى» أي شئ يستقذر منه ويؤذي من يقربه نفرة منه وكراهة له «فاعتزلوا النساء في المحيض» أي فاجتنبوا مجامعتهن في حالة المحيض قيل لأخذ المسلمون بظاهر الاعتزال فأخرجوهن من بيوتهم فقال ناس من الأعراب يا رسول الله البرد شديد والثياب قليلة فإن آثرناهن هلك سائر أهل البيت وإن استأثرنا بها هلكت الحيض فقال صلى الله عليه وسلم إنما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن ولم يأمركم بإخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم وقيل أن النصارى كانوا يجامعونهن ولا يبالون بالحيض واليهود كانوا يفرطون في الاعتزال فأمر المسلمون بالاقتصاد بين الأمرين «ولا تقربوهن حتى يطهرن» تأكيد لحكم الاعتزال وتنبيه على أن المراد به عدم قربانهن لا عدم القرب منهن وبيان لغايته وهو انقطاع الدم عند أبي حنيفة رحمه الله فإن كان ذلك في أكثر المدة حل القربان كما انقطع والا فلا بد من الاغتسال أو من مضى وقت صلاة وعند الشافعي رحمه الله أن يغتسلن بعد الانقطاع كما تفصح عنه القراءة بالتشديد ويبنى عنه قوله عز وجل «فإذا تطهرن» فإن التطهر هو الاغتسال «فأتوهن من حيث أمركم الله» من المأتى الذي حلله لكم وهو القبل «إن الله يحب التوابين» مما عسى يندر منهم من ارتكاب بعض ما نهوا عنه ومن سائر الذنوب «ويحب المتطهرين» المتنزهين عن الفواحش والأقذار وفي ذكر التوبة إشعار بمساس الحاجة إليها بارتكاب بعض الناس لما
(٢٢٢)