تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٢٣
نهوا عنه وتكرير الفعل لمزيد العناية بأمر التطهر «نساؤكم حرث لكم» أي مواضع حرث لكم شبهن بها لما بين ما يلقى في أرحامهن وبين البذور من المشابهة من حيث أن كلا منهما مادة لما يحصل منه «فأتوا حرثكم» لما عبر عنهن بالحرث عبر عن مجامعتهن بالإتيان وهو بيان لقوله تعالى فاتوهن من حيث أمركم الله «أنى شئتم» من أي جهة شئتم روى أن اليهود كانوا يزعمون أن من أتى امرأته في قبلها من دبرها يأتي ولده أحول فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت «وقدموا لأنفسكم» أي ما يدخر لكم من الثواب وقيل هو طلب الولد قيل هو التسمية عند المباشرة «واتقوا الله» بالاجتناب عن معاصيه التي من جملتها ما عد من الأمور «واعلموا أنكم ملاقوه» فتعرضوا لتحصيل ما تنتفعون به حينئذ واجتنبوا اقتراف ما تفتضحون به «وبشر المؤمنين» الذين تلقوا ما خوطبوا به من الأوامر والنواهي بحسن القبول والامتثال بما يقصر عنه البيان من الكرامة والنعيم المقيم أو بكل ما يبشر به من الأمور التي تسر بها القلوب وتقر بها العيون وفيه مع ما في تلوين الخطاب وجعل المبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم من المبالغة في تشريف المؤمنين مالا يخفى «ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم» قيل نزلت في عبد الله بن رواحة حين حلف أن لا يكلم ختنه بشير بن النعمان ولا يصلح بينه وبين أخته وقيل في الصديق رضي الله عنه حين حلف أن لا ينفق على مسطح لخوضه في حديث الإفك والعرضة فعله بمعنى مفعول كالقبضة والغرفة تطلق على ما يعرض دون الشئ فيصير حاجزا عنه كما يقال فلان عرضة للخير وعلى المعرض للأمر كما في قوله * فلا تجعلوني عرضة للوائم * فالمعنى على الوجه الأول لا تجعلوا الله مانعا للأمور الحسنة التي تحلفون على تركها وعبر عنها بالإيمان لملابستها بها كما في قوله عليه السلام لعبد الله بن سمرة إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك وقوله تعالى «أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس» عطف بيان لإيمانكم أو بدل منها لما عرفت أنها عبارة عن الأمور المحلوف عليها واللام في لأيمانكم متعلقة بالفعل أو بعرضه لما فيها من معنى الاعتراض أي لا تجعلوا الله لبركم وتقواكم وإصلاحكم بين الناس عرضة أي برزخا حاجزا بان تحلفوا به تعالى على تركها أولا تجعلوه تعالى عرضة أي شيئا يعترض الأمور المذكورة ويحجزها بما ذكر من الحلف به تعالى على تركها وقد جوز أن تكون اللام للتعليل ويتعلق ان تبروا الخ بالفعل أو بعرضه فيكون الايمان بمعناها وأنت خبير بأنه يؤدى إلى الفصل بين العامل ومعموله بأجنبي وعلى الوجه الثاني لا تجعلوا الله معرضا لإيمانكم تبتذلونه بكثرة الحلف به ولذلك ذم من نزلت فيه ولا تطع كل حلاف مهين بأشنع المذام وجعل الحلاف مقدمتها وأن تبروا حينئذ علة للنهي أي إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا لأن الحلاف مجترئ على الله سبحانه غير معظم له فلا يكون برا متقيا ثقة
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271