نهوا عنه وتكرير الفعل لمزيد العناية بأمر التطهر «نساؤكم حرث لكم» أي مواضع حرث لكم شبهن بها لما بين ما يلقى في أرحامهن وبين البذور من المشابهة من حيث أن كلا منهما مادة لما يحصل منه «فأتوا حرثكم» لما عبر عنهن بالحرث عبر عن مجامعتهن بالإتيان وهو بيان لقوله تعالى فاتوهن من حيث أمركم الله «أنى شئتم» من أي جهة شئتم روى أن اليهود كانوا يزعمون أن من أتى امرأته في قبلها من دبرها يأتي ولده أحول فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت «وقدموا لأنفسكم» أي ما يدخر لكم من الثواب وقيل هو طلب الولد قيل هو التسمية عند المباشرة «واتقوا الله» بالاجتناب عن معاصيه التي من جملتها ما عد من الأمور «واعلموا أنكم ملاقوه» فتعرضوا لتحصيل ما تنتفعون به حينئذ واجتنبوا اقتراف ما تفتضحون به «وبشر المؤمنين» الذين تلقوا ما خوطبوا به من الأوامر والنواهي بحسن القبول والامتثال بما يقصر عنه البيان من الكرامة والنعيم المقيم أو بكل ما يبشر به من الأمور التي تسر بها القلوب وتقر بها العيون وفيه مع ما في تلوين الخطاب وجعل المبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم من المبالغة في تشريف المؤمنين مالا يخفى «ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم» قيل نزلت في عبد الله بن رواحة حين حلف أن لا يكلم ختنه بشير بن النعمان ولا يصلح بينه وبين أخته وقيل في الصديق رضي الله عنه حين حلف أن لا ينفق على مسطح لخوضه في حديث الإفك والعرضة فعله بمعنى مفعول كالقبضة والغرفة تطلق على ما يعرض دون الشئ فيصير حاجزا عنه كما يقال فلان عرضة للخير وعلى المعرض للأمر كما في قوله * فلا تجعلوني عرضة للوائم * فالمعنى على الوجه الأول لا تجعلوا الله مانعا للأمور الحسنة التي تحلفون على تركها وعبر عنها بالإيمان لملابستها بها كما في قوله عليه السلام لعبد الله بن سمرة إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك وقوله تعالى «أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس» عطف بيان لإيمانكم أو بدل منها لما عرفت أنها عبارة عن الأمور المحلوف عليها واللام في لأيمانكم متعلقة بالفعل أو بعرضه لما فيها من معنى الاعتراض أي لا تجعلوا الله لبركم وتقواكم وإصلاحكم بين الناس عرضة أي برزخا حاجزا بان تحلفوا به تعالى على تركها أولا تجعلوه تعالى عرضة أي شيئا يعترض الأمور المذكورة ويحجزها بما ذكر من الحلف به تعالى على تركها وقد جوز أن تكون اللام للتعليل ويتعلق ان تبروا الخ بالفعل أو بعرضه فيكون الايمان بمعناها وأنت خبير بأنه يؤدى إلى الفصل بين العامل ومعموله بأجنبي وعلى الوجه الثاني لا تجعلوا الله معرضا لإيمانكم تبتذلونه بكثرة الحلف به ولذلك ذم من نزلت فيه ولا تطع كل حلاف مهين بأشنع المذام وجعل الحلاف مقدمتها وأن تبروا حينئذ علة للنهي أي إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا لأن الحلاف مجترئ على الله سبحانه غير معظم له فلا يكون برا متقيا ثقة
(٢٢٣)