كأنهم طالبون لها مترقبون لوقوعها «في ظلل» جمع ظلة كقلل في جمع قلة وهي ما أظلك وقرئ في ظلال كقلال في جمع قلة «من الغمام» أي السحاب الأبيض وإنما أتاهم العذاب فيه لما أنه مظنة الرحمة فإذا أتى منه العذاب كان أفظع وأقطع للمطامع فإن إتيان الشر من حيث لا يحتسب صعب فكيف بإتيانه من حيث يرجى منه الخير «والملائكة» عطف على الاسم الجليل أي ويأتيهم الملائكة فإنهم وسائط في إتيان أمره تعالى بل هم الآتون ببأسه على الحقيقة وتوسيط الظرف بينهما للإيذان بأن الآتي أو لا من جنس ما يلابس الغمام ويترتب عليه عادة وأما الملائكة وأن كان إتيانهم مقارنا لما ذكر من الغمام لكن ذلك ليس بطريق الاعتياد وقرئ بالجر عطفا على ظلل أو الغمام «وقضي الأمر» أي أتم امر إهلاكهم وفرغ منه وهو عطف على يأتيهم داخل في حيز الانتظار وانما عدل إلى صيغة الماضي دلالة على تحققه فكأنه قد كان أو جملة مستأنفة جيء بها إنباء عن وقوع مضمونها وقرئ وقضاء الأمر عطفا على الملائكة «وإلى الله» لا إلى غيره «ترجع الأمور» بالتأنيث على البناء للمفعول من الرجع وقرئ بالتذكير وعلى البناء للفاعل بالتأنيث من الرجوع «سل بني إسرائيل» الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد من أهل الخطاب والمراد بالسؤال تبكيتهم وتقريعهم بذلك وتقرير لمجيء البينات «كم آتيناهم من آية بينة» معجزة ظاهرة على أيدي الأنبياء عليهم السلام وآية ناطقة بحقية الاسلام المأمور بالدخول فيه وكم خبرية أو استفهامية مقررة ومحلها النصب على المفعوليه أو الرفع بالابتداء على حذف العائد من الخبر وآية مميزها «ومن يبدل نعمة الله» التي هي آياته الباهرة فإنها سبب للهدى الذي هو أجل النعم وتبديلها جعلها سببا للضلالة وازدياد الرجس أو تحريفها أو تأويلها الزائغ «من بعد ما جاءته» ووصلت اليه وتمكن من معرفتها والتصريح بذلك مع أن التبديل لا يتصور قبل المجيء للإشعار بأنهم قد بدلوها بعد ما وقفوا على تفصيلها كما في قوله عز وجل ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون قيل تقديره فبذلوها ومن يبدل وإنما حذف للإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح به لظهوره «فإن الله شديد العقاب» تعليل للجواب كأنه قيل ومن يبدل نعمة الله عاقبه أشد عقوبة فإنه شديد العقاب واظهار الاسم الجليل لتربية المهابة وادخال الروعة «زين للذين كفروا الحياة الدنيا» أي حسنت في أعيانهم وأشربت محبتها في قلوبهم حتى تهالكوا عليها وتهافتوا فيها معرضين عن غيرها والتزيين من حيث الخلق والإيجاد مستند إلى الله سبحانه كما يعرب عنه القراءة على البناء للفاعل إذا ما من شيء إلا وهو خالقه وكل من الشيطان والقوي الحيوانية وما في الدنيا من الأمور البهية والأشياء الشهية مزين بالعرض «ويسخرون من الذين آمنوا» عطف على زين وإيثار صيغة الاستقبال للدلالة
(٢١٣)