الجمعة «بغيا بينهم» متعلق بما تعلقت به من أي اختلفوا بغيا وتهالكا على الدنيا «فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه» أي للحق الذي أختلف فيه من أختلف «من الحق» بيان لما وفي إبهامه أولا وتفسيره ثانيا ما لا يخفى من التفخيم «بإذنه» بأمره أو بتيسيره ولطفه «والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم» موصل إلى الحق وهو اعتراض مقرر لمضمون ما سبق «أم حسبتم» خوطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين حثا لهم على الثبات على المصابرة على مخالفة الكفرة وتحمل المشاق من جهتهم إثر بيان اختلاف الأمم على الأنبياء عليهم السلام وقد بين فيه مآل اختلافهم وما لقي الأنبياء ومن معهم من قبلهم من مكابدة الشدائد ومقاساة الهموم وان عاقبة أمرهم النصر وأم منقطعة والهمزة فيها للإنكار والاستبعاد أي بل حسبتم «أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم» من الأنبياء ومن معهم من المؤمنين أي والحال انه لم يأتكم مثلهم بعد ولم تبتلوا بما ابتلوا به من الأحوال الهائلة التي هي مثل في الفظاعة والشدة وهو متوقع ومنتظر «مستهم» استئناف وقع جوابا عما ينساق إليه الذهن كأنه قيل كيف كان مثلهم فقيل مستهم «البأساء» أي الشدة من الخوف والفاقة «والضراء» أي الآلام والأمراض «وزلزلوا» أي أزعجوا إزعاجا شديدا بما دهمهم من الأهوال والإفزاع «حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه» أي انتهى أمرهم من الشدة إلى حيث اضطرهم الضجر إلى أن يقول الرسول وهو أعلم الناس بشؤون الله تعالى وأوثقهم بنصره والمؤمنون المقتدون بآثاره المستضيئون بأنواره «متى» أي متى يأتي «نصر الله» طلبا وتمنيا له واستطالة لمدة الشدة والعناء وقرئ حتى يقول بالرفع على أنه حكاية حال ماضية وهذا كما ترى غاية الغايات القاصية ونهاية النهايات النائية كيف لا والرسل مع علو كعبهم في الثبات والاصطبار حيث عيل صبرهم وبلغوا هذا المبلغ من الضجر والضجيج علم أن الأمر بلغ إلى غاية لا مطمح وراءها «ألا إن نصر الله قريب» على تقدير القول أي فقيل لهم حينئذ ذلك إسعافا لمرامهم بالقرب القرب الزماني وفي إيثار الجملة الاسمية على الفعلية المناسبة لما قبلها وتصديرها بحرف التنبيه والتأكيد من الدلالة على تحقيق مضمونها وتقريره مالا يخفى واختيار حكاية الوعد بالنصر لنا أنها في حكم إنشاء الوعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتصار على حكايتها دون حكاية نفس النصر مع تحققه للإيذان بعدم الحاجة إلى ذلك لاستحالة الخلف ويجوز أن يكون هذا واردا من جهته تعالى عند الحكاية على نهج الاعتراض لا واردا عند وقوع المحكى وفيه رمز إلى أن الوصول إلى جناب القدس لا يتسنى إلا برفض اللذات ومكايدة المشاق كما ينبئ عنه قوله صلى الله عليه وسلم حضت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات «يسألونك
(٢١٥)