تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٠٢
الله لكم «وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر» شبه أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق وما يمتد معه عن غلس الليل بخيطين الأبيض والأسود واكتفى ببيان الخيط الأبيض بقوله تعالى من الفجر عن بيان الخيط الأسود لدلالته عليه وبذلك خرجا عن الاستعارة إلى التمثيل ويجوز أن يكون من للتبعيض فإن ما يبدوا بعض الفجر وما روى من أنها نزلت ولم ينزل من الفجر فعمد رجال إلى خيطين أبيض وأسود وطفقوا يأكلون ويشربون حتى يتبينا لهم فنزلت فلعل ذلك كان قبل دخول رمضان وتأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز أو اكتفى أو لا باشتهارهما في ذلك ثم صرح بالبيان لما التبس على بعضهم وفي تجويز المباشرة إلى الصبح دلالة على جواز تأخير الغسل إليه وصحة صوم من أصبح جنبا «ثم أتموا الصيام إلى الليل» بيان لآخر وقته «ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد» أي معتكفون فيها والمراد بالمباشرة الجماع وعن قتادة كان الرجل يعتكف فيخرج إلى امرأته فيباشرها ثم يرجع فنهوا عن ذلك وفيه دليل على أن الاعتكاف يكون في المسجد غير مختص ببعض دون بعض وأن الوطء فيه حرام ومفسد له لأن النهى في العبادات يوجب الفساد «تلك حدود الله» أي الأحكام المذكورة حدود وضعها اله تعالى لعباده «فلا تقربوها» فضلا عن تجاوزها نهى أن يقرب الحد الحاجز بين الحق والباطل مبالغة في النهى عن تخطيها كما قال صلى الله عليه وسلم أن لكل ملك حمى وحمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه ويجوز أن يراد بحدود الله تعالى محارمه ومناهيه «كذلك» أي مثل ذلك التبيين البليغ «يبين الله آياته» الدالة على الأحكام التي شرعها «للناس لعلهم يتقون» مخالفة أوامره ونواهيه «ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل» نهى عن أكل بعضهم أموال بعض على خلاف حكم الله تعالى بعد النهى عن أكل أموال أنفسهم في نهار رمضان أي لا يأكل بعضكم أموال بعض بالوجه الذي لم يبحه الله تعالى وبين نصب على الظرفية أو الحالية من أموالكم «وتدلوا بها إلى الحكام» عطف على المنهى عنه أو نصب بإضمار أن والإدلاء الإلقاء أي ولا تلقوا حكومتها إلى الحكام «لتأكلوا» بالتحاكم إليهم «فريقا من أموال الناس بالإثم» بما يوجب إثما كشهادة الزور واليمين الفاجرة أو متلبسين بالإثم «وأنتم تعلمون» أنكم مبطلون فإن ارتكاب المعاصي مع العلم بها أقبح روى أن عبدان الحضرمي ادعى على امرئ القيس الكندي قطعة ارض ولم يكن له بينة فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يحلف امرؤ القيس فهم به فقرأ عليه الصلاة والسلام إن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنا قليلا الآية فارتدع عن اليمين فسلم الأرض إلى عبدان فنزلت وروى أنه اختصم اليه خصمان فقال عليه السلام إنما أنا بشر مثلكم وأنتم تختصمون إلى ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقضي له قطعة من نار فبكيا فقال كل واحد منهما حقي لصاحبي
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271