الله لكم «وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر» شبه أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق وما يمتد معه عن غلس الليل بخيطين الأبيض والأسود واكتفى ببيان الخيط الأبيض بقوله تعالى من الفجر عن بيان الخيط الأسود لدلالته عليه وبذلك خرجا عن الاستعارة إلى التمثيل ويجوز أن يكون من للتبعيض فإن ما يبدوا بعض الفجر وما روى من أنها نزلت ولم ينزل من الفجر فعمد رجال إلى خيطين أبيض وأسود وطفقوا يأكلون ويشربون حتى يتبينا لهم فنزلت فلعل ذلك كان قبل دخول رمضان وتأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز أو اكتفى أو لا باشتهارهما في ذلك ثم صرح بالبيان لما التبس على بعضهم وفي تجويز المباشرة إلى الصبح دلالة على جواز تأخير الغسل إليه وصحة صوم من أصبح جنبا «ثم أتموا الصيام إلى الليل» بيان لآخر وقته «ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد» أي معتكفون فيها والمراد بالمباشرة الجماع وعن قتادة كان الرجل يعتكف فيخرج إلى امرأته فيباشرها ثم يرجع فنهوا عن ذلك وفيه دليل على أن الاعتكاف يكون في المسجد غير مختص ببعض دون بعض وأن الوطء فيه حرام ومفسد له لأن النهى في العبادات يوجب الفساد «تلك حدود الله» أي الأحكام المذكورة حدود وضعها اله تعالى لعباده «فلا تقربوها» فضلا عن تجاوزها نهى أن يقرب الحد الحاجز بين الحق والباطل مبالغة في النهى عن تخطيها كما قال صلى الله عليه وسلم أن لكل ملك حمى وحمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه ويجوز أن يراد بحدود الله تعالى محارمه ومناهيه «كذلك» أي مثل ذلك التبيين البليغ «يبين الله آياته» الدالة على الأحكام التي شرعها «للناس لعلهم يتقون» مخالفة أوامره ونواهيه «ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل» نهى عن أكل بعضهم أموال بعض على خلاف حكم الله تعالى بعد النهى عن أكل أموال أنفسهم في نهار رمضان أي لا يأكل بعضكم أموال بعض بالوجه الذي لم يبحه الله تعالى وبين نصب على الظرفية أو الحالية من أموالكم «وتدلوا بها إلى الحكام» عطف على المنهى عنه أو نصب بإضمار أن والإدلاء الإلقاء أي ولا تلقوا حكومتها إلى الحكام «لتأكلوا» بالتحاكم إليهم «فريقا من أموال الناس بالإثم» بما يوجب إثما كشهادة الزور واليمين الفاجرة أو متلبسين بالإثم «وأنتم تعلمون» أنكم مبطلون فإن ارتكاب المعاصي مع العلم بها أقبح روى أن عبدان الحضرمي ادعى على امرئ القيس الكندي قطعة ارض ولم يكن له بينة فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يحلف امرؤ القيس فهم به فقرأ عليه الصلاة والسلام إن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنا قليلا الآية فارتدع عن اليمين فسلم الأرض إلى عبدان فنزلت وروى أنه اختصم اليه خصمان فقال عليه السلام إنما أنا بشر مثلكم وأنتم تختصمون إلى ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقضي له قطعة من نار فبكيا فقال كل واحد منهما حقي لصاحبي
(٢٠٢)