ويحتمل أن يكون المراد بالفئة النافرة هي من تسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيه وسراياه، والمعنى حينئذ: أنه ما كان لهم أن ينفروا أجمعين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيه لتحصيل المصالح المتعلقة ببقاء من يبقى في المدينة، والفئة النافرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تتفقه في الدين بسبب ما يؤمرون به ويسمعون منه، فإذا رجعوا إلى من بقي بالمدينة أعلموهم بما حصل لهم في صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم من العلم.
والاحتمالان قولان للمفسرين.
قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد: والأقرب عندي هو الاحتمال الأول، لأنا لو حملناه على الاحتمال الثاني لخالفه روى ظاهر قوله تعالى: (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه)، وقوله تعالى: (فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ") فإن ذلك يقتضي إما طلب الجميع بالنفير، أو إباحته: وذلك في ظاهره يخالف النهي عن نفر الجميع، وإذا تعارض محملان يلزم من من أحدهما معارضته ولا يلزم من الآخر، فالثاني أولى، ولا نعني بلزوم التعارض لزوما " لا يجاب عنه، ولا يتخرج على وجه مقبول، بل ما هو أعم من ذلك، فإن ما أشرنا إليه من الآيتين يجاب عنه بحمل، (أو) في قوله: (أو انفروا جميعا ") على التفصيل دون التخيير، كما رضيه بعض المتأخرين من النحاة، فيكون نفيرهم ثبات مما لا يدعون الحاجة إلى نفيرهم فيه جميعا.
ونفيرهم جميعا فيما تدعو الحاجة إليه، ويحمل قوله: (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله) على ما إذا كان الرسول هو النافر للجهاد ولم تحصل الكفاية إلا بنفير الجميع ممن يصلح للجهاد، فهذا أولى من قول من يقول بالنسخ،