أنت العزيز الكريم) كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير!.
الخامس: ملاحظة النقل عن المعنى الأصلي، وذلك أنه قد يستعار الشئ لمشابهة، ثم يستعار من المشابه لمشابه المشابه، ويتباعد عن المسمى الحقيقي بدرجات، فيذهب عن الذهن الجهة المسوغة لنقله من الأول إلى الآخر، وطريق معرفة ذلك بالتدريج، كقوله تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين)، وذلك أن أصل (دون) للمكان الذي هو أنزل من مكان غيره، ومنه الشئ الدون للحقير، ثم استعير للتفاوت في الأحوال والرتب، فقيل: زيد دون عمرو في العلم والشرف، ثم اتسع فيه، فاستعير في كل ما يتجاوز حدا إلى حد، وتخطى حكما إلى حكم آخر، كما في الآية المذكورة، والتقدير: لا تتجاوزوا ولاية المؤمنين إلى ولاية الكافرين.
وكذلك قوله تعالى: (وادعوا شهداءكم من دون الله) أي تجاوزوا الله في دعائكم إلى دعاء آلهتكم، الذين تزعمون أنهم يشهدون لكم يوم القيامة، أي لا تستشهدوا بالله فإنها حجة يركن إليها العاجز عن البينات من الناس، بل ائتوا ببينة تكون حجة عند الحكام. وهذا يؤذن بأنه لم يبق تشبث سوى قولهم: (الله يشهد لنا عليكم) هذا إذا جعلت (من دون الله) متعلقا (بادعوا) فإن جعلته متعلقا ب (شهداءكم) احتمل معنيين: أحدهما أن يكون المعنى: ادعوا الذين تجاوزتم في زعمكم شهادة الله، أي شهادتهم لكم يوم القيامة. والثاني على أن يراد بشهدائكم آلهتكم، أي ادعوا الذين تجاوزتم في اتخاذكم ألوهية الله، إلى ألوهيتهم.