ويحتمل أن يكون التقدير: (من دون الله) أي من غير المؤمنين يشهدون لكم أنكم آمنتم بمثله، وفى هذا إرخاء عنان الاعتماد على أن فصحاءهم تأنف نفوسهم من مساجلة الحق الجلي بالباطل اللجلجي. وتعليقه بادعوا على هذا جائز.
ومنه قوله تعالى: (أو كالذي مر على قرية)، فإنه عطفه على قوله: (ألم تر) لأنها بمعنى (هل رأيت).
السادس: معرفة النزول، وهو من أعظم المعين على فهم المعنى، وسبق منه في أول الكتاب جملة، وكانت الصحابة والسلف يعتمدونه، وكان عروة بن الزبير، قد فهم من قوله تعالى: (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) أن السعي ليس بركن، فردت عليه عائشة ذلك وقالت: لو كان كما قلت، لقال: (فلا جناح عليه ألا يطوف بهما)، وثبت أنه إنما أتى بهذه الصيغة، لأنه كان وقع فزع في قلوب طائفة من الناس كانوا يطوفون قبل ذلك بين الصفا والمروة للأصنام، فلما جاء الاسلام، كرهوا الفعل الذي كانوا يشركون به، فرفع الله ذلك الجناح من قلوبهم، وأمرهم بالطواف. رواه البخاري في صحيحه. فثبت أنها نزلت ردا على من كان يمتنع من السعي.
ومن ذلك قصة مروان بن الحكم في سؤاله ابن عباس: (لئن كان كل امرئ فرح بما أوتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون). فقال ابن عباس: هذه الآيات