الثاني قد مر أن سؤال وضع الظاهر موضع المضمر حقه أن يكون في الجملة الواحدة، نحو:
(الحاقة ما الحاقة) فأما إذا وقع في جملتين فأمره سهل وهو أفصح من وقوعه في الجملة الواحدة، لأن الكلام جملتان، فحسن فيها ما مالا يحسن في الجملة الواحدة، ألا ترى إلى قوله:
لا أرى الموت يسبق الموت شئ * نغص الموت ذا الغنى والفقيرا فتكرار (الموت) في عجز البيت أوسع من تكراره في صدره، لأنا إذا عللنا هذا إنما نقول: أعاد الظاهر موضع المضمر لما أراد من تعظيم الموت وتهويل أمره، فإذا عللها مكرره في عجزه عللناه بهذا، وبأن الكلام جملتان.
إذا علمت هذا، فمثاله في الجملتين كقوله تعالى: (واتقوا الله ويعلمكم الله وقوله: (إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين).
وقد أشكل الإظهار هاهنا والإضمار في المثل قوله: (إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين) وأجيب بأنه لما كان المراد في المدائن لوط إهلاك القرى صرح في الموضعين بذكر القرية التي يحل بها الهلاك، كأنها اكتسبت الظلم معهم واستحقت الهلاك معهم إذ للبقاع تأثير في الطباع، ولما كان المراد في قوم فرعون إهلاكهم بصفاتهم، حيث كانوا ولم يهلك بلدهم أتى بالضمير العائد على ذواتهم، من حيث هي من غير تعرض للمكان.