ومن ظريف ما حكى في كتاب هبة الله أنه قال في قوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا " ويتيما " وأسيرا ") (1) منسوخ من هذه الجملة (وأسيرا)، والمراد بذلك أسير المشركين، فقرئ الكتاب عليه وابنته تسمع، فلما انتهى إلى هذا الموضع قالت:
أخطأت يا أبت في هذا الكتاب! فقال لها: وكيف يا بنية؟ قالت: أجمع المسلمون على أن الأسير يطعم ولا يقتل جوعا.
قال الأئمة: ولا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ، وقد قال علي بن أبي طالب لقاص: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: الله أعلم، قال: هلكت وأهلكت.
والنسخ يأتي بمعنى الإزالة، ومنه قوله تعالى: (فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته) (2).
يأتي بمعنى التبديل كقوله: (وإذا بدلنا آية مكان آية) (3).
وبمعنى التحويل كتناسخ المواريث - يعني تحويل الميراث من واحد إلى واحد.
ويأتي بمعنى النقل من موضع إلى موضع، ومنه: (نسخت الكتاب) إذا نقلت ما فيه حاكيا للفظه وخطه. قال مكي: وهذا الوجه لا يصح أن يكون في القرآن، وأنكر على النحاس إجازته ذلك، محتجا بأن الناسخ فيه لا يأتي بلفظ المنسوخ، وإنما يأتي بلفظ آخر. وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن بركات السعدي: يشهد (4) لما قاله النحاس قوله تعالى: