التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به، الذي إذا أبدل مكانه غيره جاء منه، إما تبدل المعنى الذي يفسد به الكلام، أو إذهاب الرونق الذي تسقط به البلاغة، وذلك أن في الكلام ألفاظا مترادفة متقاربة المعاني في زعم أكثر الناس، كالعلم والمعرفة، والشح والبخل، والنعت والصفة، وكذا بلى ونعم، ومن وعن، ونحوها من الأسماء والأفعال والحروف، والأمر فيها عند الحذاق بخلاف ذلك، لأن كل لفظة منها خاصة تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها، وإن اشتركا في بعضها.
ولهذا قال أبو العالية في قوله تعالى: (الذين هم عن صلاتهم ساهون) أنه الذي ينصرف ولا يدرى عن شفع أو وتر. فرد عليه الحسن بأنه لو كان كذلك لقال:
(الذين هم في صلاتهم)، فلم يفرق أبو العالية بين (في)، و (عن) حتى تنبه له الحسن وقال: المراد به أخرجها عن وقتها.
فإن قيل: فهلا جعل في كل سورة نوعا من الأنواع؟
قيل: إنما أنزل القرآن على هذه الصفة من جمع أشياء مختلفة المعاني في السورة الواحدة، وفى الآي المجموعة القليلة العدد، ليكون أكثر لفائدته، وأعم لمنفعته، ولو كان لكل باب منه قبيل، ولكل معنى سورة مفردة، لم تكثر عائدته، ولكان الواحد من الكفار المنكرين والمعاندين إذا سمع السورة لا تعوم عليه الحجة به إلا في النوع الواحد الذي تضمنته السورة الواحدة فقط، وكان في اجتماع المعاني الكثيرة في السورة الواحدة أوفر حظا، وأجدى نفعا من التخيير لما ذكرناه.