هشاشة " إليه، ومحبة له. وإن كان جاحدا وجد فيه مع تلك الروعة نفورا وعيا، لانقطاع مادته بحسن سمعه.
ومنها أنه لم يزل ولا يزال ولا يزال غضا طريا " في أسماع السامعين، وعلى ألسنة القارئين.
ومنها ما ينتشر فيه عند تلاوته من إنزال الله إياه في صورة كلام هو مخاطبة من الله لرسوله تارة "، ومخاطبة أخرى لخلقه، لا في صورة كلام يستمليه من نفسه من قد قذف في قلبه، وأوحى إليه ما شاء أن يلقيه إلى عباده على لسانه، فهو يأتي بالمعاني التي ألهمها بألفاظه التي يكسوها إياه، كما يشاهد من الكتب المتقدمة.
ومنها جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة وهما كالمتضادين، لا يجتمعان غالبا في كلام البشر، لإن الجزالة من الألفاظ التي لا توجد إلا بما يشوبها من القوة وبعض الوعورة، والعذوبة منها ما يضادها من السلاسة والسهولة، فمن نحا نحو الصورة الأولى فإنما يقصد الفخامة والروعة في الأسماع، مثل الفصحاء من الأعراب، وفحول الشعراء منهم، ومن نحا نحو الثانية قصد كون الكلام في السماع أعذب وأشهى وألذ، مثل أشعار المخضرمين ومن داناهم من المولدين المتأخرين. وترى ألفاظ القرآن قد جمعت في نظمه كلتا الصفتين، وذلك من أعظم وجوه البلاغة والإعجاز.
ومنها جعله آخر الكتب غنيا عن غيره، وجعل غيره من الكتب المتقدمة قد يحتاج إلى بيان يرجع فيه إليه، كما قال تعالى: (هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه مختلفون).