قوله تعالى: (لم نجعل له من قبل سميا) أي لم نسم أحدا قبل يحيى بهذا الاسم، قاله ابن عباس وقتادة وابن أسلم والسدي. ومن عليه تعالى بأن لم يكل تسميته إلى الأبوين.
وقال مجاهد وغيره: " سميا " معناه مثلا ونظيرا، وهو مثل قوله تعالى: " هل تعلم له سميا " (1) [مريم: 65] معناه مثلا ونظيرا [وهذا] (2) كأنه من المساماة والسمو، هذا فيه بعد، لأنه لا يفضل على إبراهيم وموسى، اللهم إلا أن يفضل في خاص كالسؤدد والحصر حسب ما تقدم بيانه " في آل عمران " (3).
وقال ابن عباس أيضا: معناه لم تلد العواقر مثله ولدا. وقيل: إن الله تعالى اشترط القبل، لأنه أراد أن يخلق بعده أفضل منه وهو محمد صلى الله عليه وسلم. وفي هذه الآية دليل وشاهد على أن الأسامي السنع (4) جديرة بالأثرة، وإياها كانت العرب تنتحي في التسمية لكونها أنبه وأنزه عن النبز حتى قال قائل:
سنع الأسامي مسبلي أزر * حمر تمس الأرض بالهدب وقال رؤبة للنسابة البكري وقد سأله عن نسبه: أنا ابن العجاج، فقال: قصرت وعرفت.
قوله تعالى: (قال رب أنى يكون لي غلام) ليس على معنى الانكار لما أخبر الله تعالى به، بل على سبيل التعجب من قدرة الله تعالى أن يخرج ولدا من امرأة عاقر وشيخ كبير.
وقيل: غير هذا مما تقدم في " آل عمران " (3) بيانه. (وقد بلغت من الكبر عتيا) يعني النهاية في الكبر واليبس والجفاف، ومثله العسي، قال الأصمعي: عسا الشئ يعسو عسوا وعساء ممدود أي يبس وصلب، وقد عسا الشيخ يعسو عسيا ولى وكبر مثل عتا، يقال: عتا الشيخ يعتو عتيا وعتيا كبر وولى، وعتوت يا فلان تعتو عتوا وعتيا. والأصل عتو لأنه من ذوات الواو، فأبدلوا من الواو ياء، لأنها أختها وهي أخف منها، والآيات على الياءات. ومن قال:
" عتيا " كره الضمة مع الكسرة والياء، وقال الشاعر:
إنما يعذر الوليد ولا يعذر * من كان في الزمان عتيا