تفسير القرطبي - القرطبي - ج ١١ - الصفحة ٨٧
في " البقرة " (1). [قوله تعالى] (2): (وآتيناه الحكم صبيا) قيل: الاحكام والمعرفة بها. وروى معمر أن الصبيان قالوا ليحيى: اذهب بنا نلعب، فقال: ما للعب خلقت. فأنزل الله تعالى " وآتيناه الحكم صبيا ". وقال قتادة: كان ابن سنتين أو ثلاث سنين. وقال مقاتل:
كان ابن ثلاث سنين. و " صبيا " نصب على الحال. وقال ابن عباس: من قرأ القرآن قبل أن يحتلم فهو ممن أوتي الحكم صبيا. وروي في تفسير هذه الآية من طريق عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا). وقال قتادة: إن يحيى عليه السلام لم يعص الله [تعالى] (3) قط بصغيرة ولا كبيرة ولا هم بامرأة. وقال مجاهد: وكان طعام يحيى عليه السلام العشب، كان للدمع في خديه مجار ثابتة. وقد مضى الكلام في معنى قوله: " وسديدا وحصورا " [آل عمران: 39] في " آل عمران " (4).
قوله تعالى: (وحنانا من لدنا) " حنانا " عطف على " الحكم ". وروي عن ابن عباس أنه قال: والله ما أدري ما " الحنان "؟. وقال جمهور المفسرين: الحنان الشفقة والرحمة والمحبة، وهو فعل من أفعال النفس. النحاس: وفي معنى الحنان عن ابن عباس قولان: أحدهما - قال: تعطف الله عز وجل عليه بالرحمة. والقول الآخر ما أعطيه من رحمه الناس حتى يخلصهم من الكفر والشرك (5). وأصله من حنين الناقة على ولدها. ويقال: حنانك وحنانيك، قيل: هما لغتان بمعنى واحد. وقيل: حنانيك تثنية الحنان. وقال أبو عبيدة: والعرب تقول:
حنانك يا رب وحنانيك يا رب بمعنى واحد، تريد رحمتك. وقال أمرؤ القيس:
ويمنحها بنو شمجى بن جرم * معيزهم حنانك ذا الحنان (6) وقال طرفة:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا * حنانيك بعض الشر أهون من بعض وقال الزمخشري: " حنانا " رحمة لأبويه وغيرهما وتعطفا وشفقة، وأنشد سيبويه:
فقالت حنان ما أتى بك هاهنا * أذو نسب أم أنت بالحي عارف

(1) راجع ج 1 ص 437.
(2) من ج وك.
(3) من ك.
(4) راجع ج 4 ص 86.
(5) في ج: الشر.
(6) (حنانك ذا الحنان) معناه: رحمتك يا رحمن. رواية اللسان: ويمنعها.
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»
الفهرست