الموفية ثلاثين - والذي يراعى من وجود الماء أن يجد منه ما يكفيه لطهارته، فإن وجد أقل من كفايته تيمم ولم يستعمل ما وجد منه. وهذا قول مالك وأصحابه، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه، وهو قول أكثر العلماء، لان الله تعالى جعل فرضه أحد الشيئين، إما الماء وإما التراب. فإن لم يكن (1) الماء مغنيا عن التيمم كان غير موجود شرعا، لان المطلوب من وجوده الكفاية. وقال الشافعي في القول الآخر: يستعمل ما معه من الماء ويتيمم، لأنه واجد ماء فلم يتحقق شرط التيمم، فإذا استعمله وفقد الماء تيمم لما لم يجد. واختلف قول الشافعي أيضا فيما إذا نسي الماء في رحله فتيمم، والصحيح أنه يعيد، لأنه إذا كان الماء عنده فهو واجد وإنما فرط. والقول الآخر لا يعيد، وهو قول مالك، لأنه إذا لم يعلمه فلم يجده.
الحادية والثلاثون - وأجاز أبو حنيفة الوضوء بالماء المتغير، لقوله تعالى: (فلم تجدوا ماء) فقال: هذا نفي في نكرة، وهو يعم لغة، فيكون مفيدا جواز الوضوء بالماء المتغير وغير المتغير، لانطلاق اسم الماء عليه. قلنا: النفي في النكرة يعم كما قلتم، ولكن في الجنس، فهو عام في كل ماء كان من سماء أو نهر أو عين عذب أو ملح. فأما غير الجنس وهو المتغير فلا يدخل فيه، كما لا يدخل فيه ماء الباقلاء ولا ماء الورد، وسيأتي حكم المياه في (الفرقان (2))، إن شاء الله تعالى.
الثانية والثلاثون - وأجمعوا على أن الوضوء والاغتسال لا يجوز بشئ من الأشربة سوى النبيذ عند عدم الماء، وقوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) يرده. والحديث الذي فيه ذكر الوضوء بالنبيذ رواه ابن مسعود، وليس بثابت، لان الذي رواه أبو زيد، وهو مجهول لا يعرف بصحبة عبد الله، قاله ابن المنذر وغيره. وسيأتي في (الفرقان (2)) بيانه إن شاء الله تعالى.
الثالثة والثلاثون - الماء الذي يبيح عدمه التيمم هو الطاهر المطهر الباقي على أو صاف خلقته. وقال بعض من ألف في أحكام القرآن لما قال تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا)