فإنما أباح التيمم عند عدم كل جزء من ماء، لأنه لفظ منكر يتناول كل جزء منه، سواء كان مخالطا لغيره أو منفردا بنفسه. ولا يمتنع أحد أن يقول في نبيذ التمر ماء، فلما (1) كان كذلك لم يجز التيمم مع وجوده. وهذا مذهب الكوفيين أبي حنيفة وأصحابه، واستدلوا على ذلك بأخبار ضعيفة يأتي ذكرها في سورة (الفرقان)، وهناك يأتي القول في الماء إن شاء الله تعالى.
الرابعة والثلاثون - قوله تعالى: (فتيمموا) التيمم مما خصت به هذه الأمة توسعة عليها، قال صلى الله عليه وسلم: (فضلنا على الناس بثلاث جعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا) وذكر الحديث، وقد تقدم ذكر نزوله، وذلك بسبب القلادة حسبما بيناه. وقد تقدم ذكر الأسباب التي تبيحه، والكلام ها هنا في معناه لغة وشرعا، وفي صفته وكيفيته وما يتيمم به وله، ومن يجوز له التيمم، وشروط التيمم إلى غير ذلك من أحكامه.
فالتيمم لغة هو القصد. تيممت الشئ قصدته، وتيممت الصعيد تعمدته، وتيممته برمحي وسهمي أي قصدته دون من سواه. وأنشد الخليل (2):
يممته الرمح شزرا (3) ثم قلت له * هذي البسالة (4) لا لعب الزحاليق (5) قال الخليل: من قال [في هذا البيت (6)] أممته فقد أخطأ، لأنه قال: (شزرا) ولا يكون الشزر إلا من ناحية ولم يقصد به أمامه. وقال امرؤ القيس:
تيممتها (7) من أذرعات وأهلها * بيثرب أدنى دارها نظر عال