الثانية - قوله تعالى: (عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا) إطماع، والأطماع من الله عز وجل واجب. على أن الطمع قد جاء في كلام العرب على الوجوب، ومنه قوله تعالى: (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين (1). وقال ابن مقبل:
ظني بهم كعسى وهم بتنوفة (2) * يتنازعون جوائز (3) الأمثال قوله تعالى: (والله أشد بأسا) أي صولة وأعظم سلطانا وأقدر بأسا على ما يريده. (وأشد تنكيلا) أي عقوبة، عن الحسن وغيره. قال ابن دريد: رماه الله بنكلة، أي رماه بما ينكلة. قال: ونكلت بالرجل تنكيلا من النكال. والمنكل الشئ الذي ينكل بالانسان. قال:
* وارم على أقفائهم بمنكل (4) * الثالثة - إن قال قائل: نحن نرى الكفار في بأس وشدة، وقلتم: إن عسى بمعنى اليقين فأين ذلك الوعد؟ قيل له: قد وجد هذا الوعد ولا يلزم وجوده على الاستمرار والدوام فمتى وجد ولو لحظة مثلا فقد صدق الوعد، فكف الله بأس المشركين ببدر الصغرى، وأخلفوا ما كانوا عاهدوه من الحرب والقتال (وكفى الله المؤمنين القتال (5) وبالحديبية أيضا عما راموه من الغدر وانتهاز الفرصة، ففطن بهم المسلمون فخرجوا فأخذوهم أسرى، وكان ذلك والسفراء يمشون بينهم في الصلح، وهو المراد بقوله تعالى: (وهو الذي كف أيديهم عنكم (6)) على ما يأتي. وقد ألقى الله في قلوب الأحزاب الرعب وانصرفوا من غير قتل ولا قتال، كما قال تعالى (وكفى الله المؤمنين القتال). وخرج اليهود من ديارهم وأموالهم بغير قتال المؤمنين لهم، فهذا كله بأس قد كفه الله عن المؤمنين، مع أنه قد دخل من اليهود والنصارى العدد الكثير والجم الغفير تحت الجزية صاغرين وتركوا المحاربة داخرين (7)، فكف الله بأسهم عن المؤمنين.
والحمد لله رب العالمين.