مجرد القول لا يفيد شيئا كما ذكرنا، فإنهم قالوا: طاعة، ولفظوا بها ولم يحقق الله طاعتهم ولا حكم لهم بصحتها، لأنهم لم يعتقدوها. فثبت أنه لا يكون المطيع مطيعا إلا باعتقادها مع وجودها.
قوله تعالى: (فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا. أفلا يتدبرون القرآن) قوله تعالى: (فأعرض عنهم) أي لا تخبر بأسمائهم، عن الضحاك، يعني المنافقين. وقيل:
لا تعاقبهم. ثم أمره بالتوكل عليه والثقة به في النصر على عدوه. ويقال: إن هذا منسوخ بقوله تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين (1)) ثم عاب المنافقين بالاعراض عن التدبر في القرآن والتفكر فيه وفي معانيه. تدبرت الشئ فكرت في عاقبته. وفي الحديث (لا تدابروا) أي لا يولي بعضكم بعضا دبره. وأدبر القوم مضى أمرهم إلى آخره. والتدبير أن يدبر الانسان أمره كأنه ينظر إلى ما تصير إليه عاقبته. ودلت هذه الآية وقوله تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (2)) على وجوب التدبر في القرآن (3) ليعرف معناه. فكان في هذا رد على فساد قول من قال: لا يؤخذ من تفسيره إلا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنع أن يتأول على ما يسوغه لسان العرب. وفيه دليل على الامر بالنظر والاستدلال وإبطال التقليد، وفيه دليل على إثبات القياس.
قوله تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) أي تفاوتا وتناقضا، عن ابن عباس وقتادة وابن زيد. ولا يدخل في هذا اختلاف ألفاظ القراءات وألفاظ الأمثال والدلالات ومقادير السور والآيات. وإنما أراد اختلاف (4) التناقض والتفاوت. وقيل: المعنى لو كان ما تخبرون به من عند غير الله لاختلف. وقيل: إنه ليس من متكلم يتكلم كلاما كثيرا إلا وجد في كلامه اختلاف كثير، إما في الوصف (5) واللفظ، وإما في جودة المعنى، وإما في التناقض، وإما في الكذب. فأنزل الله عز وجل القرآن وأمرهم بتدبره، لأنهم لا يجدون فيه اختلافا في وصف (5) ولا ردا له في معنى، ولا تناقضا ولا كذبا فيما يخبرون به من الغيوب وما يسرون.