ذكرنا. والمحجور عليه في حق غيره العبد والمديان والمريض في الثلثين، والمفلس وذات الزوج لحق الزوج، والبكر في حق نفسها. فأما الصغير والمجنون فلا خلاف في الحجر عليهما. وأما الكبير فلانه لا يحسن النظر لنفسه في ماله، ولا يؤمن منه إتلاف ما له في غير وجه، فأشبه الصبي، وفيه خلاف يأتي. ولا فرق بين أن يتلف ما له في المعاصي أو في القرب والمباحات. واختلف أصحابنا إذا أتلف ما له في القرب، فمنهم من حجر عليه، ومنهم من لم يحجر عليه. والعبد لا خلاف فيه. والمديان ينزع ما بيده لغرمائه، لاجماع الصحابة، وفعل عمر ذلك بأسيفع جهينة (1)، ذكره مالك في الموطأ. والبكر ما دامت في الخدر محجور عليها، لأنها لا تحسن النظر لنفسها. حتى إذ تزوجت ودخل إليها الناس، وخرجت وبرز وجهها عرفت المضار من المنافع. وأما ذات الزوج فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجوز لامرأة ملك زوجها عصمتها قضاء في مالها إلا في ثلثها).
قلت: وأما الجاهل بالأحكام وإن كان غير محجور عليه لتنميته لماله وعدم تدبيره (2) ، فلا يدفع إليه المال، لجهله بفاسد البياعات وصحيحها وما يحل وما يحرم منها. وكذلك الذمي مثله في الجهل بالبياعات ولما يخاف من معاملته بالربا وغيره. والله أعلم. واختلفوا في وجه إضافة المال إلى المخاطبين على هذا، وهي للسفهاء، فقيل: أضافها إليهم لأنها بأيديهم وهم الناظرون فيها فنسبت إليهم اتساعا، كقوله تعالى: (فسلموا على أنفسكم (3)) وقوله (فاقتلوا أنفسكم (4)). وقيل: أضافها إليهم لأنها من جنس أموالهم، فإن الأموال جعلت مشتركة بين الخلق تنتقل من يد إلى يد، ومن ملك إلى ملك، أي هي لهم إذا احتاجوها كأموالكم التي تقي أعراضكم وتصونكم وتعظم أقداركم، وبها قوام أمركم. وقول ثان قاله أبو موسى الأشعري وابن عباس والحسن وقتادة: (أن المراد أموال المخاطبين حقيقة. قال ابن عباس: لا تدفع مالك الذي هو سبب معيشتك إلى امرأتك وابنك وتبقى فقيرا تنظر إليهم وإلى ما في أيديهم، بل كن أنت الذي تنفق عليهم. فالسفهاء على هذا هم النساء والصبيان، صغار ولد الرجل وامرأته. وهذا يخرج مع قول مجاهد وأبي مالك في السفهاء.