العاشرة - قوله تعالى: (بعضكم من بعض) ابتداء وخبر، كقولك زيد في الدار.
والمعنى أنتم بنو آدم. وقيل: أنتم مؤمنون. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، المعنى:
ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فلينكح بعضكم من بعض: هذا فتاة هذا، وهذا فتاة هذا. فبعضكم على هذا التقدير مرفوع بفعله وهو فلينكح. والمقصود بهذا الكلام توطئة نفوس العرب التي كانت تستهجن ولد الأمة وتعيره وتسميه الهجين (1)، فلما جاء الشرع بجواز نكاحها علموا أن ذلك التهجين لا معنى له، وإنما انحطت الأمة فلم يجز للحر التزوج بها إلا عند الضرورة، لأنه تسبب إلى إرقاق الولد، وأن الأمة لا تفرغ للزوج على الدوام، لأنها مشغولة بخدمة المولى.
الحادية عشرة - قوله تعالى: (فانكحوهن باذن أهلهن) أي بولاية أربابهن المالكين وإذنهم. وكذلك العبد لا ينكح إلا بإذن سيده، لان العبد مملوك لا أمر له، وبدنه كله مستغرق، لكن الفرق بينهما أن العبد إذا تزوج بغير إذن سيده فإن أجاز السيد جاز، هذا مذهب مالك وأصحاب الرأي، وهو قول الحسن البصري وعطاء بن أبن رباح وسعيد ابن المسيب وشريح والشعبي. والأمة إذا تزوجت بغير إذن أهلها فسخ ولم يجز بإجازة السيد، لان نقصان الأنوثة في الأمة يمنع من انعقاد النكاح البتة وقالت طائفة: إذا نكح العبد بغير إذن سيده فسخ نكاحه، هذا قول الشافعي والأوزاعي وداود بن علي، قالوا: لا تجوز إجازة المولى إن لم يحضره، لان العقد الفاسد لا تصح إجازته، فإن أراد النكاح استقبله على سنته.
وقد أجمع علماء المسلمين على أنه لا يجوز نكاح العبد بغير إذن سيده. وقد كان ابن عمر يعد العبد بذلك زانيا ويحده، وهو قول أبي ثور. وذكر عبد الرزاق عن عبد الله (2) بن عمر عن نافع عن ابن عمر، وعن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه أخذ عبد اله نكح بغير إذنه فضربه الحد وفرق بينهما وأبطل صداقها. قال: وأخبرنا ابن جريج عن موسى بن عقبة أنه أخبره عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرى نكاح العبد بغير إذن وليه زنى، ويرى عليه الحد،