ويجوز الضم في معنى الفتح فيكونان لغتين، يقال: كرهت الشئ كرها وكرها وكراهة وكراهية، وأكرهته عليه إكراها. وإنما كان الجهاد كرها لان فيه إخراج المال ومفارقة الوطن والأهل، والتعرض بالجسد للشجاج والجراح وقطع الأطراف وذهاب النفس، فكانت كراهيتهم لذلك، لا أنهم كرهوا فرض الله تعالى. وقال عكرمة في هذه الآية: إنهم كرهوه ثم أحبوه وقالوا:
سمعنا وأطعنا، وهذا لان امتثال الامر يتضمن مشقة، لكن إذا عرف الثواب هان في جنبه مقاساة المشقات.
قلت: ومثاله في الدنيا إزالة ما يؤلم الانسان ويخاف منه كقطع عضو وقلع ضرس وفصد وحجامة ابتغاء العافية ودوام الصحة، ولا نعيم أفضل من الحياة الدائمة في دار الخلد والكرامة في مقعد صدق.
الثالثة - قوله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا) قيل: " عسى " بمعنى قد، قاله الأصم.
وقيل: هي واجبة. و " عسى " من الله واجبة في جميع القرآن إلا قوله تعالى: " عسى ربه إن طلقكن أن يبدله (1) ". وقال أبو عبيدة: " عسى " من الله إيجاب، والمعنى عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة وهو خير لكم في أنكم تغلبون وتظفرون وتغنمون وتؤجرون، ومن مات مات شهيدا، وعسى أن تحبوا الدعة وترك القتال وهو شر لكم في أنكم تغلبون وتذلون ويذهب أمركم.
قلت: وهذا صحيح لا غبار عليه، كما اتفق في بلاد الأندلس، تركوا الجهاد وجبنوا عن القتال وأكثروا من الفرار، فاستولى العدو على البلاد، وأي بلاد؟! وأسر وقتل وسبى واسترق، فإنا لله وإنا إليه راجعون! ذلك بما قدمت أيدينا وكسبته! وقال الحسن في معنى الآية: لا تكرهوا الملمات الواقعة، فلرب أمر تكرهه فيه نجاتك، ولرب أمر تحبه فيه عطبك، وأنشد أبو سعيد الضرير:
رب أمر تتقيه * جر أمرا ترتضيه خفى المحبوب منه * وبدا المكروه فيه