مالك وابن القاسم عموم قوله تعالى: " فلا جناح عليهما فيما افتدت به ". ومن جهة القياس أنه مما يملك بالهبة والوصية، فجاز أن يكون عوضا في الخلع كالمعلوم، وأيضا فإن الخلع طلاق، والطلاق يصح بغير عوض أصلا، فإذا صح على غير شئ فلان يصح بفاسد العوض أولى، لان أسوأ حال المبذول أن يكون كالمسكوت عنه. ولما كان النكاح الذي هو عقد تحليل لا يفسده فاسد العوض فلان لا يفسد الطلاق الذي هو إتلاف وحل عقد أولى.
الثامنة - ولو اختلعت منه برضاع ابنها منه حولين جاز. وفى الخلع بنفقتها على الابن بعد الحولين مدة معلومة قولان: أحدهما - يجوز، وهو قول المخزومي، واختاره سحنون.
والثاني - لا يجوز، رواه ابن القاسم عن مالك، وإن شرطه الزوج فهو باطل موضوع عن الزوجة. قال أبو عمر: من أجاز الخلع على الجمل الشارد والعبد الآبق ونحو ذلك من الغرر لزمه أن يجوز هذا. وقال غيره من القرويين: لم يمنع مالك الخلع بنفقة ما زاد على الحولين لأجل الغرر، وإنما منعه لأنه حق يختص بالأب على كل حال فليس له أن ينقله إلى غيره، والفرق بين هذا وبين نفقة الحولين أن تلك النفقة وهي الرضاع قد تجب على الام حال الزوجية وبعد الطلاق إذا أعسر الأب، فجاز أن تنقل هذه النفقة إلى الام، لأنها محل لها. وقد احتج مالك في " المبسوط " على هذا بقوله تعالى: " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ".
التاسعة - فإن وقع الخلع على الوجه المباح بنفقة الابن فمات الصبي قبل انقضاء المدة فهل للزوج الرجوع عليها ببقية النفقة، فروى ابن المواز عن مالك: لا يتبعها بشئ، وروى عنه أبو الفرج: يتبعها، لأنه حق ثبت له في ذمة الزوجة بالخلع فلا يسقط بموت الصبي، كما لو خالعها بمال متعلق بذمتها، ووجه الأول أنه لم يشترط لنفسه مالا يتموله، وإنما اشترط كفاية مئونة ولده، فإذا مات الولد لم يكن له الرجوع عليها بشئ، كما لو تطوع رجل بالانفاق على صبي سنة فمات الصبي لم يرجع عليه بشئ، لأنه إنما قصد بتطوعه تحمل مئونته، والله أعلم، قال مالك: لم أر أحدا يتبع بمثل هذا، ولو اتبعه لكان له في ذلك قول.