قوله تعالى: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) فيه سبع مسائل:
الأولى - قوله تعالى: (الطلاق مرتان) ثبت أن أهل الجاهلية لم يكن عندهم للطلاق عدد، وكانت عندهم العدة معلومة مقدرة، وكان هذا في أول الاسلام برهة، يطلق الرجل امرأته ما شاء من الطلاق، فإذا كادت تحل من طلاقه راجعها ما شاء، فقال رجل لامرأته على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: لا آويك ولا أدعك تحلين، قالت: وكيف؟ قال: أطلقك فإذا دنا مضى عدتك راجعتك. فشكت المرأة ذلك إلى عائشة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية بيانا لعدد الطلاق الذي للمرء فيه أن يرتجع دون تجديد مهر وولى، ونسخ ما كانوا عليه. قال معناه عروة بن الزبير وقتادة وابن زيد وغيرهم. وقال ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وغيرهم: المراد بالآية التعريف بسنة الطلاق، أي من طلق اثنتين فليتق الله في الثالثة، فإما تركها غير مظلومة شيئا من حقها، وإما أمسكها محسنا عشرتها، والآية تتضمن هذين المعنيين.
الثانية - الطلاق هو حل العصمة المنعقدة بين الأزواج بألفاظ مخصوصة.
والطلاق مباح بهذه الآية وبغيرها، وبقوله عليه السلام في حديث ابن عمر: " فإن شاء أمسك وإن شاء طلق " وقد طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة ثم راجعها، خرجه ابن ماجة. وأجمع العلماء على أن من طلق امرأته طاهرا في طهر لم يمسها فيه أنه مطلق للسنة، وللعدة التي أمر الله تعالى بها، وأن له الرجعة إذا كانت مدخولا بها قبل أن تنقضي عدتها، فإذا انقضت فهو خاطب من الخطاب. فدل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على أن الطلاق مباح غير محظور. قال ابن المنذر: وليس في المنع منه خبر يثبت.
الثالثة - روى الدارقطني " حدثني أبو العباس محمد بن موسى بن علي الدولابي ويعقوب بن إبراهيم، قالا حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا إسماعيل بن عياش بن حميد بن مالك اللخمي عن مكحول عن معاذ بن جبل قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يا معاذ ما خلق الله شيئا على وجه الأرض أحب إليه من العتاق ولا خلق الله تعالى شيئا على وجه الأرض أبغض إليه من الطلاق فإذا قال الرجل لمملوكه أنت حر إن شاء الله فهو حر