فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الانسان، تريد الغائط والبول. ولا خلاف في هذا بين الأمة ولا بين الأئمة، فإذا خرج المعتكف لضرورة وما لابد له منه ورجع في فوره بعد زوال الضرورة بنى على ما مضى من اعتكافه ولا شئ عليه. ومن الضرورة المرض البين والحيض.
واختلفوا في خروجه لما سوى ذلك، فمذهب مالك ما ذكرنا، وكذلك مذهب الشافعي وأبي حنيفة. وقال سعيد بن جبير والحسن والنخعي: يعود المريض ويشهد الجنائز، وروى عن علي وليس بثابت عنه. وفرق إسحاق بين الاعتكاف الواجب والتطوع، فقال في الاعتكاف الواجب: لا يعود المريض ولا يشهد الجنائز، وقال في التطوع: يشترط حين يبتدئ حضور الجنائز وعيادة المرضى والجمعة. وقال الشافعي: يصح اشتراط الخروج من معتكفه لعيادة مريض وشهود الجنائز وغير ذلك من حوائجه. واختلف فيه عن أحمد، فمنع منه مرة، وقال مرة: أرجو ألا يكون به بأس. وقال الأوزاعي كما قال مالك: لا يكون في الاعتكاف شرط. قال ابن المنذر: لا يخرج المعتكف من اعتكافه إلا لما لابد له منه، وهو الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج له.
الحادية والثلاثون - واختلفوا في خروجه للجمعة، فقالت طائفة: يخرج للجمعة ويرجع إذا سلم، لأنه خرج إلى فرض ولا ينتقض اعتكافه. ورواه ابن الجهم عن مالك، وبه قال أبو حنيفة، واختاره ابن العربي وابن المنذر. ومشهور مذهب مالك أن من أراد أن يعتكف عشرة أيام أو نذر ذلك لم يعتكف إلا في المسجد الجامع، وإذا اعتكف في غيره لزمه الخروج إلى الجمعة وبطل اعتكافه. وقال عبد الملك: يخرج إلى الجمعة فيشهدها ويرجع مكانه ويصح اعتكافه.
قلت: وهو صحيح لقوله تعالى: " وأنتم عاكفون في المساجد " فعم. وأجمع العلماء على أن الاعتكاف ليس بواجب وأنه سنة، وأجمع الجمهور من الأئمة على أن الجمعة فرض على الأعيان، ومتى اجتمع واجبان أحدهما آكد من الاخر قدم الآكد، فكيف إذا اجتمع مندوب وواجب، ولم يقل أحد بترك الخروج إليها، فكان الخروج إليها في معنى حاجة الانسان.