أبى سعيد الخدري وهو نص لا يحتمل. وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة " المائدة (1) " إن شاء الله تعالى.
الثامنة - واختلفت الرواية عن مالك في جلد الميتة هل يطهر بالدباغ أولا، فروي عنه أنه لا يطهر، وهو ظاهر مذهبه. وروي عنه أنه يطهر، لقوله عليه السلام (أيما إهاب دبغ فقد طهر). ووجه قوله: لا يطهر، بأنه جزء من الميتة لو أخذ منها في حال الحياة كان نجسا، فوجب ألا يطهره الدباغ قياسا على اللحم. وتحمل لاخبار بالطهارة على أن الدباغ يزيل الأوساخ عن الجلد حتى ينتفع به في الأشياء اليابسة وفي الجلوس عليه، ويجوز أيضا أن ينتفع به في الماء بأن يجعل سقاء، لان الماء على أصل الطهارة ما لم يتغير له وصف على ما يأتي من حكمه في سورة " الفرقان (2) ". والطهارة في اللغة متوجهة نحو إزالة الأوساخ كما تتوجه إلى الطهارة الشرعية، والله تعالى أعلم.
التاسعة - وأما شعر الميتة وصوفها فطاهر، لما روى عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ وصوفها وشعرها إذا غسل). ولأنه كان طاهرا لو أخذ منها في حال الحياة فوجب أن يكون كذلك بعد الموت، إلا أن اللحم لما كان نجسا في حال الحياة كان كذلك بعد الموت، فيجب أن يكون الصوف خلافه في حال الموت كما كان خلافه في حال الحياة استدلالا بالعكس. ولا يلزم على هذا اللبن والبيضة من الدجاجة الميتة، لان اللبن عندنا طاهر بعد الموت، وكذلك البيضة، ولكنهما حصلا في وعاء نجس فتنجسا بمجاورة الوعاء لا أنهما نجسا بالموت. وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة والتي قبلها وما للعلماء فيهما من الخلاف في سورة " النحل (3) " إن شاء الله تعالى.
العاشرة - وأما ما وقعت فيه الفأرة فله حالتان: حالة تكون إن أخرجت الفأرة حية فهو طاهر. وإن ماتت فيه فله حالتان: حالة يكون مائعا فإنه ينجس جميعه. وحالة يكون جامدا فإنه ينجس ما جاورها، فتطرح وما حولها، وينتفع بما بقي وهو على طهارته، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تقع في السمن فتموت، فقال عليه السلام: