أوضح دليل على أن فدية الأذى جائز أن تكون بغير مكة، وجائز عند مالك في الهدى إذا نحر في الحرم أن يعطاه غير أهل الحرم، لان البغية في إطعام مساكين المسلمين. قال مالك:
ولما جاز الصوم أن يؤتى به بغير الحرم جاز إطعام غير أهل الحرم، ثم إن قوله تعالى:
" فمن كان منكم مريضا " الآية، أوضح الدلالة على ما قلناه، فإنه تعالى لما قال: " ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " لم يقل في موضع دون موضع، فالظاهر أنه حيثما فعل أجزأه. وقال: " أو نسك " فسقى ما يذبح نسكا، وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك ولم يسمه هديا، فلا يلزمنا أن نرده قياسا على الهدى، ولا أن نعتبره بالهدى مع ما جاء في ذلك عن علي. وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر كعبا بالفدية ما كان في الحرم، فصح أن ذلك كله يكون خارج الحرم، وقد روي عن الشافعي مثل هذا في وجه بعيد.
التاسعة - قوله تعالى: " أو نسك " النسك: جمع نسيكة، وهي الذبيحة ينسكها العبد لله تعالى. ويجمع أيضا على نسائك. والنسك: العبادة في الأصل، ومنه قوله تعالى:
" وأرنا مناسكنا " (1) [البقرة: 128] أي متعبداتنا. وقيل: إن أصل النسك في اللغة الغسل، ومنه نسك ثوبه إذا غسله، فكأن العابد غسل نفسه من أدران الذنوب بالعبادة. وقيل: النسك سبائك الفضة، كل سبيكة منها نسيكة، فكأن العابد خلص نفسه من دنس الآثام وسبكها.
قوله تعالى: " فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى " فيه ثلاث عشرة مسألة:
الا أولى - قوله تعالى: " فإذا أمنتم " قيل: معناه برأتم من المرض. وقيل: من خوفكم من العدو المحصر، قاله ابن عباس وقتادة. وهو أشبه باللفظ إلا أن يتخيل الخوف من المرض فيكون الامن منه، كما تقدم، والله أعلم.
الثانية - قوله تعالى: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " الآية. اختلف العلماء من المخاطب بهذا؟ فقال عبد الله بن الزبير وعلقمة وإبراهيم: الآية في المحصرين دون المخلى سبيلهم. وصورة المتمتع عند ابن الزبير: أن يحصر الرجل حتى يفوته الحج، ثم يصل إلى البيت