قال الجوهري: وهو شاذ وسمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه إلى النار، ولذلك لا يستعمل في الغالب إلا فيما ليس بحق وفيما لا خير فيه، وهذه الآية من ذلك. وقد يستعمل في الحق، ومنه قول عمر رضي الله عنه في أسارى بدر: فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت. وقالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم في صحيح الحديث:
والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. أخرجهما مسلم.
قوله تعالى: " ففريقا كذبتم " " ففريقا " منصوب ب " كذبتم "، وكذا " وفريقا تقتلون " فكان ممن كذبوه عيسى ومحمد عليهما السلام، وممن قتلوه يحيى وزكريا عليهما السلام، على ما يأتي بيانه في " سبحان (1) " إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون (88) قوله تعالى: " وقالوا " يعني اليهود " قلوبنا غلف " بسكون اللام جمع أغلف، أي عليها أغطية. وهو مثل قول: " قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه (2) " أي في أوعية. قال مجاهد: " غلف " عليها غشاوة. وقال عكرمة: عليها طابع. وحكى أهل اللغة غلفت السيف جعلت له غلافا، فقلب أغلف، أي مستور عن الفهم والتمييز. وقرأ ابن عباس والأعرج وابن محيصن " غلف " بضم اللام. قال ابن عباس: أي قلوبنا ممتلئة علما لا تحتاج إلى علم محمد صلى الله عليه وسلم ولا غيره. وقيل: هو جمع غلاف. مثل خمار وخمر، أي قلوبنا أوعية للعلم فما بالها لا تفهم عنك وقد وعينا علما كثيرا! وقيل: المعنى فكيف يعزب عنها علم محمد صلى الله عليه وسلم. فرد الله تعالى عليهم بقوله: " بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون " ثم بين أن السبب في نفورهم عن الايمان إنما هو أنهم لعنوا بما تقدم من كفرهم واجترائهم، وهذا هو الجزاء على الذنب بأعظم منه. وأصل اللعن في كلام العرب الطرد والابعاد. ويقال للذئب: لعين. وللرجل الطريد: لعين، وقال الشماخ:
ذعرت به القطا ونفيت عنه * مقام الذئب كالرجل اللعين