قوله تعالى: " فول وجهك شطر المسجد الحرام " فيه خمس مسائل:
الأولى - قوله تعالى: " فول " أمر " وجهك شطر " أي ناحية " المسجد الحرام " يعني الكعبة، ولا خلاف في هذا. قيل: حيال البيت كله، عن ابن عباس. وقال ابن عمر: حيال الميزاب من الكعبة، قاله ابن عطية. والميزاب: هو قبلة المدينة وأهل الشام، وهناك قبلة أهل الأندلس.
قلت: قد روى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي).
الثانية - قوله تعالى: " شطر المسجد الحرام " الشطر له محامل: يكون الناحية والجهة، كما في هذه الآية، وهو ظرف مكان، كما تقول: تلقاءه وجهته. وانتصب الظرف لأنه فضلة بمنزلة المفعول [به (1)]، وأيضا فإن الفعل واقع فيه. وقال داود بن أبي هند:
إن في حرف ابن مسعود " فول وجهك تلقاء المسجد الحرام ". وقال الشاعر (2):
أقول لام زنباع أقيمي * صدور العيس شطر بني تميم.
وقال آخر:
وقد أظلكم من شطر ثغركم * هول له ظلم يغشاكم قطعا وقال آخر:
ألا من مبلغ عمرا رسولا * وما تغني الرسالة شطر عمرو وشطر الشئ: نصفه، ومنه الحديث: (الطهور شطر الايمان). ويكون من الأضداد، يقال: شطر إلى كذا إذا أقبل نحوه، وشطر عن كذا إذا أبعد منه وأعرض عنه. فأما الشاطر من الرجال فلانه قد أخذ في نحو غير الاستواء، وهو الذي أعيا أهله خبثا، وقد شطر وشطر (بالضم) شطارة فيهما. وسئل بعضهم عن الشاطر، فقال: هو من أخذ في البعد عما نهى الله عنه.