عليه السلام: (نحن الآخرون الأولون). وهذا دليل على أنه لا يشهد إلا العدول، ولا ينفذ قول الغير على الغير إلا أن يكون عدلا. وسيأتي بيان العدالة وحكمها في آخر السورة (1) إن شاء الله تعالى.
الرابعة - وفيه دليل على صحة الاجماع ووجوب الحكم به، لأنهم إذا كانوا عدولا شهدوا على الناس. فكل عصر شهيد على من بعده، فقول الصحابة حجة وشاهد على التابعين، وقول التابعين على من بعدهم. وإذ جعلت الأمة شهداء فقد وجب قبول قولهم. ولا معنى لقول من قال: أريد به جميع الأمة، لأنه حينئذ لا يثبت مجمع عليه إلى قيام الساعة.
وبيان هذا في كتب أصول الفقه.
قوله تعالى: " ويكون الرسول عليكم شهيدا " قيل: معناه بأعمالكم يوم القيامة.
وقيل: " عليكم " بمعنى لكم، أي يشهد لكم بالايمان. وقيل: أي يشهد عليكم بالتبليغ لكم.
قوله تعالى: " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " قيل: المراد بالقبلة هنا القبلة الأولى، لقوله " كنت عليها ". وقيل: الثانية، فتكون الكاف زائدة، أي أنت الان عليها، كما تقدم، وكما قال: " كنتم خير أمة أخرجت للناس " أي أنتم، في قول بعضهم، وسيأتي (2).
قوله تعالى: إلا لنعلم من يتبع الرسول " قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: معنى " لنعلم " لنرى. والعرب تضع العلم مكان الرؤية، والرؤية مكان العلم، كقوله تعالى: " ألم تر كيف فعل ربك (3) " بمعنى ألم تعلم. وقيل: المعنى إلا لتعلموا أننا نعلم، فإن المنافقين كانوا في شك من علم الله تعالى بالأشياء قبل كونها. وقيل: المعنى لنميز أهل اليقين من أهل الشك، حكاه ابن فورك، وذكره الطبري عن ابن عباس. وقيل: المعنى إلا ليعلم النبي وأتباعه، وأخبر تعالى بذلك عن نفسه، كما يقال: فعل الأمير كذا، وإنما فعله أتباعه، ذكره المهدوي وهو جيد. وقيل: معناه ليعلم محمد، فأضاف علمه إلى نفسه تعالى تخصيصا وتفضيلا، كما كنى عن نفسه سبحانه في قوله: (يا بن آدم مرضت (4) فلم تعدني)