وليس اعتماد الآية على مسألة الابداء والإعادة في احتجاجها اعتمادا على مقدمة غير بينة ولا مبينة فقد احتج عليها في كلامه تعالى من طرق مختلفة كالاحتجاج من طريق لزوم الغاية في فعله، ومن طريق وجوب الجزاء على الأعمال في العدل وغير ذلك وقد نفى سبحانه الريب عن البعث والقيامة فيما يبلغ عشر مواضع من كلامه.
والحجة - كما تقدم الايماء إليه - حجة عامة المؤمنين الذين يعبدونه تعالى خوفا من العقاب أو رغبة في الثواب الذي أعد لهم يوم القيامة.
قوله تعالى: (قل هل من شركائكم من يهدى إلى الحق قل الله يهدى للحق) إلى آخر الآية، يهدى للحق وإلى الحق بمعنى واحد فالهداية تتعدى بكلتا الحرفين، وقد ورد تعديتها باللام في مواضع كثيرة من كلامه تعالى كقوله: (أو لم يهد لهم) ألم السجدة: 26، وقوله: (يهدى للتي هي أقوم) اسرى: 9 إلى غير ذلك فما ذكره بعضهم من كون اللام في قوله: (يهدى للحق) للتعليل ليس بشئ.
لقن سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم هذه الحجة وهى ثالثة الحجج، وهى حجة عقلية يعتمد عليها الخاصة من المؤمنين، وتوضيحها ان من المرتكز في الفطرة الانسانية وبه يحكم عقله ان من الواجب على الانسان ان يتبع الحق حتى أنه ان انحرف في شئ من أعماله عن الحق واتبع غيره لغلط أو شبهة أو هوى فإنما اتبعه لحسبانه إياه حقا والتباس الامر عليه، ولذا يعتذر عنه بما يحسبه حقا فالحق واجب الاتباع على الاطلاق ومن غير قيد أو شرط.
والهادي إلى الحق واجب اتباعه لما عنده من الحق، ومن الواجب ترجيحه على من لا يهدى إليه أو يهدى إلى غيره لان اتباع الهادي إلى الحق اتباع لنفس الحق الذي معه وجوب اتباعه ضروري.
وقد اعتمد في الحجة على هذه المقدمة الضرورية فافتتح الكلام فيها بسؤالهم عن شركائهم هل فيهم من يهدى إلى الحق؟ ومن البين ان لا جواب للمشركين في ذلك مثبتا إذ شركاؤهم سواء أكانوا جمادا غير ذي حياة كالأوثان والأصنام أم كانوا من الاحياء كالملائكة وأرباب الأنواع والجن والطواغيت من فرعون ونمرود وغيرهما لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.