وفيه: أنه لا يفي بتوجيه المقابلة التي بين قوله: (من يهدى إلى الحق) وقوله: (من لا يهدى) فان الهداية إلى الحق والاهتداء إليه لا يتقابلان إلا ان يؤول المعنى إلى مثل قولنا: أفمن يهدى إلى الحق أحق ان يتبع أم من لا يهتدى أصلا إلا ان يهديه الله فيهتدى فيهدي غيره، ويرد عليه انه لا وجه حينئذ لتخصيصه بمثل الأصنام ممن لا يهتدى أصلا حتى يصير الاستثناء منقطعا بل يعم ما لا يهتدى أصلا لا بنفسه ولا بغيره، ومن لا يهتدى بنفسه ويهتدى بغيره كالملائكة مثلا، ويرد عليه ما ورد على الوجه السابق.
ومنها: أن المراد بمن لا يهدى الأصنام التي لا تقبل الهداية و (إلا) بمعنى حتى والمعنى لا يهتدى ولا يقبل الهداية حتى يهدى.
وفيه: ان الترديد يرجع حينئذ إلى مثل قولنا: أفمن يهدى إلى الحق أحق ان يتبع أم من لا يهتدى أصلا حتى يهدى إلى الحق، ويعود الاستثناء مستدركا لا يتعلق به غرض في الكلام. مضافا إلى أن مجئ إلا بمعنى حتى غير ثابت وعلى تقدير ثبوته قليل في الكلام لا يحمل على مثله أفصح الكلام.
ومنها: أن المراد بمن لا يهدى إلا ان يهدى الملائكة والجن ممن يعبدون من دون الله وهم يقبلون الهداية من الله وان لم يهتدوا من عند أنفسهم أو المراد الرؤساء المضلون الذين يدعون إلى الكفر فإنهم وان لم يهتدوا لكنهم يقبلون الهداية ولو هدوا إلى الحق لهدوا إليه.
وفيه: ان الآيات واقعة في سياق الاحتجاج على عبدة الأصنام، والقول بأن المراد بمن لا يهدى إلا ان يهدى الملائكة والجن أو الرؤساء المضلون يخرجها عن صلاحية الانطباق على المورد.
وثالثها: أن الهداية إلى الحق بمعنى الايصال إليه انما هي شأن من يهتدى بنفسه أي لا واسطة بينه وبين الله سبحانه في أمر الهداية اما من بادئ أمره أو بعناية خاصة من الله سبحانه كالأنبياء والأوصياء من الأئمة، وأما الهداية بمعنى اراءة