يعطى أن المراد أن الذين من قبلهم من المشركين أيضا كذبوا بما دعاهم إليه أنبياؤهم لكونهم لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله، فلما جاء به سائر الأنبياء من أجزاء الدعوة الدينية من معارف وأحكام تأويل كما أن لمعارف القرآن وأحكامه تأويلا من غير أن يكون من قبيل المفاهيم ومعاني الألفاظ كما توهموه.
فمحصل المعنى ان هؤلاء المشركين الرامين للقرآن بأنه افتراء مثل المشركين والكفار من الأمم السابقة استقبلتهم من الدعوة الدينية بمعارفها وأحكامها أمور لم يحيطوا بها علما حتى يوقنوا بها ويصدقوا، فحملهم الجهل على التكذيب بها ولما يأتهم اليوم الذي يظهر لهم فيه تأويلها وحقيقة أمرها ظهورا يضطرهم على الايقان والتصديق بها وهو يوم القيامة الذي يكشف لهم فيه الغطاء عن وجه الحقائق بواقعيتها فهؤلاء كذبوا وظلموا كما كذب الذين من قبلهم وظلموا فانظر كيف كان عاقبة أولئك الظالمين حتى تحدس بما سيصيب هؤلاء.
هذا ما يعطيه دقيق البحث في معنى الآية، وللمفسرين فيها أقوال شتى مختلفة مبنية على ما ذهبوا إليه من معنى التأويل لا جدوى في التعرض لها وقد استقصينا أقوالهم سابقا.
قوله تعالى: (ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين) قسمهم قسمين من يؤمن بالقرآن ومن لا يؤمن به ثم كنى عمن لا يؤمن به أنهم مفسدون فتحصل من ذلك أن الذين يكذبون بما في القرآن انما كذبوا به لانهم مفسدون.
فالآية لبيان حالهم الذي هم عليه من ايمان البعض وكفر البعض وأن الكفر ناش من رذيلة الافساد.
وأما ما ذكره بعضهم في تفسير الآية: ان المراد ان قومك لن يكونوا كأولئك الظالمين من قبلهم الذين كذبوا رسلهم إلا قليلا منهم فكان عاقبتهم عذاب الاستئصال بل سيكون قومك قسمين قسم سيؤمن بهذا القرآن وقسم لا يؤمن به ابدا فهو معنى خارج عن مدلول الآية البتة.