والعبادة التي هي اتصال ما بالمملوكية والتذلل من العابد بالمعبود إنما تكون عبادة إذا اتصلت وارتبطت بالمعبود - حتى يتم به معنى اللام في قولنا: العبادة له - ولا يكون ذلك إلا بشعور من المعبود وعلم منه بذلك فإذا لم يتحقق هناك علم لم تتحقق عبادة حقيقة، وإنما هي صورة عبادة.
فقد تبين أن المراد بقوله: (ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم) إظهاره وإبرازه تعالى يومئذ حقيقة الامر الذي سترت عليه الأوهام وحجبته الأهواء في الدنيا وهو أن حقيقة المولوية ومالكية زمان التدبير لله سبحانه وليس لغيره من المولوية والربوبية شئ حتى يصح الالتجاء إليه وتصدق عبادته.
فإذا كشف الله الغطاء عن وجه هذه الحقيقة يومئذ بأن للمشركين أن شركاءهم لم يكونوا شركاء ولا معبودين لهم في الحقيقة - لغفلتهم عن عبادتهم، وإنما كانوا يأتون لهم بصورة العبادة التي كان الوهم والهوى يصور انها عبادة وليست بها.
وإليه يشير أيضا قوله تعالى: (وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون) النحل: 86.
وقد تبين بذلك أيضا أن قوله: (وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون) قول من شركائهم لهم على الجد والحقيقة، ويظهر به فساد قول بعضهم: المراد أنكم لم تعبدونا بأمرنا ودعائنا لا أنكم لم تعبدونا أصلا لان ذلك كذب لا يجوز أن يقع في الآخرة لكونهم ملجئين فيها إلى ترك القبيح.
فإن نفى أصل العبادة بما عرفت من معناه هو حق الصدق، وإثبات العبادة وإن لم يكن كذبا إلا أنه لا يخلو عن مجاز في الجملة بالنظر إلى حقيقة الامر على أن ما ذكره أن المراد نفى العبادة بأمرهم ودعوتهم معنى لا دليل عليه من جهة اللفظ.
على أن الكذب إنما لا يقع في الآخرة إذا كان عملا وكسبا وأما بمعنى نتيجة الملكات الدنيوية فلا مانع من إمكانه بل هو واقع كما يحكيه تعالى في قوله: (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم) الانعام: 24 وغيره من الآيات.