وقوله: (فما ذا بعد الحق إلا الضلال) أخذ بلازم الحجة السابقة لاستنتاج أنهم ضالون في عبادة الأصنام فإنه إذا كانت ربوبيته تعالى حقة فان الهدى في اتباعه وعبادته فان الهدى مع الحق لا غير فلا يبقى عند غيره الذي هو الباطل إلا الضلال.
فتقدير الكلام: فماذا بعد الحق الذي معه الهدى إلا الباطل الذي معه الضلال فحذف من كل من الطرفين شئ وأقيم الباقي مقامه ايجازا، وقيل: فماذا بعد الحق إلا الضلال، ولذا قال بعضهم: ان في الآية احتباكا - وهو من المحسنات البديعية - وهو أن يكون هناك متقابلان فيحذف من كل منهما شئ يدل عليه الاخر فان تقدير الكلام: فما ذا بعد الحق إلا الباطل؟ وما ذا بعد الهدى إلا الضلال؟
فحذف الباطل من الأول والهدى من الثاني وبقى قوله: فماذا بعد الحق إلا الضلال؟
والوجه هو الذي قدمناه.
ثم تمم الآية بقوله: (فأنى تصرفون) أي إلى متى تصرفون عن الحق الذي معه الهدى إلى الضلال الذي مع الباطل.
قوله تعالى: (كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا انهم لا يؤمنون) ظاهر السياق ان الكلمة التي تكلم الله سبحانه بها على الفاسقين هي انهم لا يؤمنون أي أنه سبحانه قضى عليهم قضاء حتما وهو ان الفاسقين - وهم على فسقهم - لا يؤمنون ولا تنالهم الهداية الإلهية إلى الايمان، وقد قال تعالى: (والله لا يهدى القوم الفاسقين) المائدة: 108.
وعلى هذا فالإشارة بقوله: (كذلك) إلى ما تحصل من الآية السابقة: ان المشركين صرفوا عن الحق وفسقوا عنه فوقعوا في الضلال إذ ليس بعد الحق إلا الضلال.
فمعنى قوله: (كذلك حقت كلمة ربك) الخ، ان الكلمة الإلهية والقضاء الحتمي الذي قضى به في الفاسقين - هو أنهم لا يؤمنون - هكذا حقت وثبتت في الخارج واخذت مصداقها وهو انهم خرجوا عن الحق فوقعوا في الضلال أي إنا لم نقض عدم هدى الفاسقين وعدم إيمانهم ظلما ولا جزافا وانما قضينا ذلك لانهم صرفوا عن الحق وفسقوا فوقعوا في الضلال ولا واسطة بينهما فافهم ذلك.