قوله تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والابصار) إلى آخر الآية. الرزق هو العطاء الجاري، ورزقه تعالى للعالم الانساني من السماء هو نزول الأمطار والثلوج ونحوه، ومن الأرض هو بانباتها نباتها وتربيتها الحيوان ومنهما يرتزق الانسان، وببركة هذه النعم الإلهية يبقى النوع الانساني و المراد بملك السمع والابصار كونه تعالى متصرفا في الحواس الانسانية التي بها ينتظم له أنواع التمتع من الأرزاق المختلفة التي اذن الله تعالى ان يتمتع بها فإنما هو يشخص ويميز ما يريده مما لا يريده باعمال السمع والبصر واللمس و الذوق والشم فيتحرك نحو ما يريده، ويتوقف أو يفر مما يكرهه بها.
فالحواس هي التي تتم بها فائده الرزق الإلهي، وانما خص السمع والبصر من بينها بالذكر لظهور آثارهما في الأعمال الحيوية أكثر من غيرهما، والله سبحانه هو الذي يملكهما ويتصرف فيهما بالاعطاء والمنع والزيادة والنقيصة.
وقوله: (ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) الحياة بحسب النظر البادئ في الانسان هي المبدء الذي يظهر به العلم والقدرة في الشئ فيصدر أعماله عن العلم والقدرة ما دامت الحياة، وإذا بطلت بطل الصدور كذلك.
ثم اكتشف من طريق النظر العلمي ان ذلك لا يختص باقسام الحيوان كما كان يعطيه النظر الابتدائي فان الملاك الذي كان يوجب للحيوان كونه ذا حياة - وهو كونه ذا نفس يصدر عنها اعمال مختلفة لا على وتيرة واحدة طبيعية كحركته إلى جهات مختلفة بحركات مختلفة وسكونه من غير حركة - موجود في النبات.
وكذلك الأبحاث الجارية على الطرق الحديثة تعطى ذلك فان جراثيم الحياة الموجودة في الحيوان التي إليها تنتهى أعماله الحيوية توجد في النبات نظيرها فهو ذو حياة كمثل الحيوان فالنظر العلمي على أي حال يهدى إلى عموم الحياة لجميع أنواع الحيوان والنبات.
ثم الحياة وهى تقابل الموت الذي هو بطلان مبدء الأعمال الحيوية تعود بحسب التحليل إلى كون الشئ بحيث تترتب عليه آثاره المطلوبة منه كما أن الموت عدم كونه كذلك فحياة الأرض هي كونها نابتة مخضرة وموتها خلافه، وحياة العمل