وهو الذي قبض على كل شئ فأمسكه وأمسك آثاره والروابط التي بينها أن تزول وتغيب وراء ستر البطلان.
ولازم ذلك أنه تعالى وكيل كل شئ في تدبير أموره فهى منسوبة إليه تعالى في تحققها وتحقق الروابط التي بينها لما انه محيط بها قاهر عليها، ولها مع ذلك نسبة إلى ذلك الشئ بإذنه تعالى.
ومن الواجب للعبد العالم بمقام ربه العارف بهذه الحقيقة أن يمثلها بإنشاء التوكل على ربه والإنابة والرجوع إليه، ولذلك لما ذكر شعيب عليه السلام أن توفيقه بالله عقبه بإنشاء التوكل والإنابة فقال: (عليه توكلت وإليه أنيب).
(كلام في معنى حرية الانسان في عمله) الانسان بحسب الخلقة موجود ذو شعور وإرادة له أن يختار لنفسه ما يشاء من الفعل وبعبارة أخرى له في كل فعل يقف عليه أن يختار جانب الفعل وله أن يختار جانب الترك فكل فعل من الافعال الممكنة الاتيان إذا عرض عليه كان هو بحسب الطبع واقفا بالنسبة إليه على نقطة يلتقى فيها طريقان: الفعل والترك فهو مضطر في التلبس والاتصاف بأصل الاختيار لكنه مختار في الافعال المنتسبة إليه الصادرة عنه باختياره أي إنه مطلق العنان بالنسبة إلى الفعل والترك بحسب الفطرة غير مقيد بشئ من الجانبين ولا مغلول، وهو المراد بحرية الانسان تكوينا.
ولازم هذه الحرية التكوينية حرية أخرى تشريعية يتقلد بها في حياته الاجتماعية وهو أن له أن يختار لنفسه ما شاء من طرق الحياة ويعمل بما شاء من العمل، وليس لاحد من بنى نوعه أن يستعلى عليه فيستعبده ويتملك إرادته وعمله فيحمل بهوى نفسه عليه ما يكرهه فإن افراد النوع أمثال لكل منهم ما لغيره من الطبيعة الحرة، قال تعالى: (ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) آل عمران:
64 وقال: (وما كان لبشر - إلى أن قال - ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله) آل عمران: 79.