المؤولة إلى المصدر، والجملة الفعلية المؤولة إلى المصدر كذلك لا يدل على التحقق بخلاف المصدر المضاف إلى معموله ففرق بين قوله: (أن تصوموا خير لكم) البقرة:
184 فلا يدل على الوقوع وبين نحو قوله: (إن كنا عن عبادتكم لغافلين) يونس:
29 فيدل على الوقوع، ويقال: ضربك زيدا عجيب إذا ضربته، وأن تضرب زيدا عجيب إذا هممت أن تضربه.
فقوله: (من لا يهدى إلا أن يهدى) معناه من لا يكون هداه من نفسه إلا أن تأتيه الهداية من ناحية الغير، ومن المعلوم أنها إنما تأتيه من الغير إذا كان في طبعه أن يقبل ذلك، وأما إذا لم يقبل فإنما يبقى له من الوصف أنه لا يهتدى فافهم ذلك.
وللمفسرين في معنى هذا الاستثناء أقوال عجيبة:
منها: أنه استثناء مفرغ من أعم الأحوال لان من نفى عنهم الهداية: ممن اتخذوا شركاء لله تعالى يشمل المسيح عيسى بن مريم وعزيرا والملائكة عليهم السلام، وهؤلاء كانوا يهدون إلى الحق بهداية الله ووحيه كما قال تعالى في الأنبياء من سورتهم:
(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) الأنبياء: 73.
وفيه: أن محصله: أن المعنى لا يهدى إلا أن يهديه الله تعالى فيهدي غيره بعد اهتدائه بهدايته تعالى، وقد اختل عليه معنى الآية من أصله فإن من لا يهتدى إلى الحق بنفسه لا يتأتى له أن يهدى إلى الحق فإنه إنما يماس الحق من وراء حجاب فكيف يوصل إليه؟
على أن ما ذكره لا ينطبق على الأصنام التي هي مورد الاحتجاج في الآية فإنها لا تقبل الهداية من أصلها، وقد ذكر المسيح وعزيرا وهما ممن قدسته النصارى واليهود وليس وجه الكلام في الآية إليهم وان شملتهما وغيرهما الآية بحسب عموم الملاك.
ومنها: ان الاستثناء منقطع والمراد بمن لا يهدى الأصنام التي لا تقبل الهداية أصلا فحسب، والمعنى: أم من لا يهتدى أصلا كالأصنام إلا ان يهديه الله فيهتدى حينئذ.