وإذ لم يكن لهم في ذلك جواب مثبت فإنهم لا يجيبون، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان يخلفهم في الجواب فيجيب في ذلك - أعني الهداية إلى الحق - باثباتها لله سبحانه فقيل: (قل الله يهدى للحق) فان الله سبحانه هو الذي يهدى كل شئ إلى مقاصده التكوينية والأمور التي يحتاج إليها في بقائه كما في قوله: (ربنا الذي اعطى كل شئ خلقه ثم هدى) طه: 50، وقوله: (الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى) الاعلى: 3 وهو الذي يهدى الانسان إلى سعادة الحياة ويدعوه إلى الجنة والمغفرة باذنه بارسال الرسل وانزال الكتب وتشريع الشرائع، وأمرهم ببث الدعوة الحقة الدينية بين الناس.
وقد مر في تفسير قوله تعالى: (الحق من ربك فلا تكن من الممترين) آل عمران: 60 أن الحق من الاعتقاد والقول والفعل انما يكون حقا بمطابقة السنة الجارية في الكون للذي هو فعله فالحق بالحقيقة انما يكون حقا بمشيته وارادته.
وإذ تحقق انه ليس من شركائهم من يهدى إلى الحق، وان الله سبحانه يهدى إلى الحق سألهم بقوله: (أفمن يهدى إلى الحق أحق ان يتبع امن لا يهدى إلا ان يهدى)؟ ان يقضوا في الترجيح بين اتباعه تعالى واتباع شركائهم وهو تعالى يهدى إلى الحق وهم لا يهدون ولا يهتدون إلا بغيرهم، ومن المعلوم ان الرجحان لمن يهدى على من لا يهدى أي لاتباعه تعالى على اتباعهم، والمشركون يحكمون بالعكس، ولذلك لامهم ووبخهم بقوله: (فما لكم كيف تحكمون)؟
والتعبير في الترجيح في قوله: (أحق أن يتبع) بأفعل التفضيل الدال على مطلق الرجحان دون التعين والانحصار مع أن اتباعه تعالى حق لا غير واتباعهم لا نصيب له من الحق انما هو بالنظر إلى مقام الترجيح، وليسهل بذلك قبولهم للقول من غير إثارة لعصبيتهم وتهييج لجهالتهم.
وقد أبدع تعالى في قوله (أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدى إلا أن يهدى والقراءة الدائرة: (لا يهدى) بكسر الهاء وتشديد الدال وأصله يهتدى، وظاهر قوله: (لا يهدى إلا أن يهدى) وقد حذف متعلقات الفعل فيه أنه إنما يهتدى بغيره لا بنفسه.